على رغم استهلاك قصص التراث، والتي تعود إلى زمن البسطاء وحياة المغلوبين على أمرهم، إلا أن سيدة الشاشة الخليجية حياة الفهد وعلى رغم تحدي التقنية وحداثة العصر، لا زالت تصر على المضامين الإنسانية، وإلقاء الضوء على الحياة القديمة والأصيلة لدول الخليج العربي التي أصبحت بفعل العولمة شبه معتمة. وأثبتت الحلقة الثالثة من مسلسل بياعة النخي، الذي يعرض على قناة الكويت حصرياً، ويحمل توقيع الفهد بطولةً وتأليفاً، أن المضمون يتفوق على الفكرة نفسها في الحضور، فقد تمكنت النجمة الكويتية من المجازفة بأسماء شبابية معتمة تظهر للمرة الأولى، فيما جرت ثوب البطولة للأسماء الكويتية القديرة أمثال محمد جابر، ومريم الصالح اللذين مُنحا أدواراً فنية تليق بمستواهم الرفيع، قدموها باحترافية شديدة، مع ملاحظة الانسجام الكبير الذي جمعهما. وتستعرض أحداث المسلسل العادات والتقاليد التي سادت الكويت قديماً، وأثرها على الحاضر، من خلال قصة إحدى السيدات الثريات التي تنقلب حياتها رأساً على عقب، وتفقد جميع ممتلكاتها وتضطرها الظروف السيئة لبيع النخي (البليلة). وتجسد الفهد في العمل شخصية شيخة، الفتاة التي أحبت شاباً بعمرها، وتعلقت به، لكن القسمة كانت مع غيره، فتزوجت رجلاً أحبها، وأوفى لها، وكان على خلق، لكن شيخة عادت إلى حبها الأول محاولة انتشاله من الضياع. وفي محاولة للعودة إلى حبيبها الأول تحولت شيخة لتقسو على أبنائها بالإساءة والتكبر والجبروت، بل وطلبت الطلاق من زوجها من أجل الحب الأول، وتخلت عن فلذات أكبادها وتزوجت من تحب وسكنت بمنزله في مكان بعيد، عبر خطوة لإعادة خريطة حياتها الزوجية من جديد. إلا أن حوبة الأبناء والزوج الوفي المخلص لها لم تدم طويلاً، فقد رزقت بمولود معوق لم يكتب له العيش، وحين يأس الحبيب الأولي من عدم قدرتها على الإنجاب، تزوج من غيرها، فلم تتحمل وطلبت الطلاق، وعادت تبحث عن مأوى، وطريقة لحياتها السابقة، في عقاب من السماء للتمادي والتكبر على النعمة التي كانت تنعم بها. لتصطدم شيخة بالواقع الجديد المظلم أمامها، فقد اكتشفت أن أهلها رحلوا عن الدنيا، ومغادرة زوجها وأبنائها المنطقة، ليعيشوا في المدينة، لتعود أدراجها تبحث عن مكان تعيش فيه، لكن الدنيا ضاقت بها، ووصل بها الحال إلى أن تقوم ببيع النخي لكي تعيش، وتتسارع الأحداث والمواقف في حياتها وسط تلك الحالة المزرية، لترسم لها حالة جديدة من البؤس والشقاء. وتصر كاتبة العمل أن يشاهد الجيل الجديد من خلال أحداث المسلسل معالم الكويت، ويتعرفوا على تاريخها، من خلال الدكاكين والمخابز والمحال التجارية، والبيوت الطينية، والبساطة المتناهية بين الجيران والأقارب والأهل، لتتوقف أمام فكرة طرح عمل، بائعات النخي اللواتي يبعن تحت ظروف الجو القاسية، كل ذلك من أجل لقمة العيش. ليتفوق المسلسل في إظهار الحياة الرومانسية، ومشاعر الحب العميقة في الزمن الصعب، وقد أبرزت المشاهد المعنى الحقيقي لكلمة الرجل والتي أصبحت في زمننا الحاضر، بالعامية (لا تقدم ولا تؤخر) إلا من رحم ربي. ويبدو أن الخلاف الكبير الذي نشاهده ضمن حلقات المسلسل من خلال الأدوار التمثيلية الجامعة لحياة الفهد ومريم الصالح، سببه انكسار قلبهن للرجل وعشقه، وهو ما تميز به المسلسل عن غيره، من خلال مشاعر الحب لسيدتين تجاوزتا الـ50 من العمر، ونافست الصالح الفهد في الأداء الذي تجاوز إشارات اليد والجسد، واكتساح نظرات أعين الكاميرا ليعبر عمّا لا يمكن للمؤشرات الجسدية والصوتية البوح به. وسيكشف تدرج قصة «بياعة النخي» التي تحمل توقيع شعلان الدباس إخراجاً، المصير المجهول الذي حوّل حياة امرأة متمكنة إلى حياة امرأة بائسة، فيما لا تزال مشاعر الغيرة بين الفهد والصالح تغلي في أوجها بسبب رجل، فهل سيحول «النخي» حياة شيخة إلى النعيم مجدداً، أم أنها النهاية البائسة للواقع الحقيقي.
مشاركة :