ملّت سـارة من الرسـائل الـنصّية التي تصـلها لـحظة بعد أخرى لتطلعها على التـخفيضات «الخياليـة» التي تجـريـها مـحال تجارية خلال شهري كانون الثاني (يناير) وشباط (فبراير). وفي كلّ مرّة تصل رسالة جديدة تنظر إليها سارة، الطالبة الجامعية، قائلة «يا ليتها ميسّرة كنتُ أستفدت من التخفيض واشتريت أغراضاً أحتاجها». لكنّ سارة كما غيرها من فتيات كثيرات يجمعن المال بالكثير من الجهد والتعب لدفع أقساط الجامعات ومساعدة الأهل في مصروف المنزل، فلا مكان لشراء الملابس والأحذية والأكسسوارات، ولو وصل التخفيض إلى نسبة 70 في المئة. والحالة التي تعيشها هذه الطالبة الجامعية باتت لسان حال الفئة الأكبر من المواطنين الذين يشكون الأوضاع الاقتصادية المتردّية التي منعتهم من التسوّق خلال شهر الأعياد الماضي، وكذلك خلال موسم التخفيضات الذي يجب أن يكون منطقياً من أكثر الأشهر جذباً للمتسوّقين. لكنّه في لبنان ليس كذلك، خصوصاً خلال بداية هذه السنة مع الهزّات الأمنية التي يعيشها المواطنون يومياً وقد أصبحت هاجساً بالنسبة لهم في كلّ لحظة. ركود تجاري حالة الأسواق شبه متشابهة في مختلف المناطق، ركود يصفه التجّار بأنّه الأصعب عليهم منذ سنوات، وإن كانت تسجّل حركة بسيطة في المناطق البعيدة من الهزّات الأمنية مثل جبيل وجونية وبرج حمود. لكن الحركة لا تعني أبداً تحريك عجلة الشراء، فخلال جولة لصحيفة «الحياة» على أبرز الأسواق في العاصمة بيروت وضواحيها، يتبيّن أنّ القسم الأكبر من رواد الأسواق يأتون للترفيه عن النفس والنظر من خلال الواجهات إلى الموديلات المعروضة. لكن اليافطات الكبرى لإعلان التخفيضات ووقوف التجّار على أبواب محالهم لدعوة الزبائن إلى الدخول لا تنفع في معظم الأحيان، لأنّ لا تخفيضات يمكن أن تلائم مواطن جيوبه فارغة. ويصف ناصيف سعد، أحد التجّار في سوق شعبية، الوضع بأنّه «رديء جداً» والتجّار يوجّهون طلب استغاثة للمتسوّقين من خلال التخفيضات، مؤكداً أنّ الهدف ليس أبداً التخلّص من بضاعة كاسدة إنما تحريك السوق التي دخلت حالة ركود رهيبة منذ أكثر من ستة أشهر. وفي سوق أخرى، يجلس التاجر كريم سلمان أمام متجره المخصّص لبيع الثياب النسائية منتظراً أي زبونة ليلبّيها ويؤمّن لها ما تحتاجه. والعرض الذي يقدّمه سلمان هو «اشتري قطعة واحصلي على الثانية مجاناً»، لافتاً إلى أنّ ذلك يخفّض نسبة الربح كثيراً بالنسبة له، لكن في هذه الأوضاع هو مستعد أن يقبل بأي شيء لكي يدفع الإيجار ويسدّد فواتير الكهرباء والماء. ويشير سلمان إلى أنّ محال كثيرة مجاورة له أعلنت إفلاسها وأقفلت أبوابها بسبب تراجع النشاط الاقتصادي إلى ما دون المقبول. وللأسف ليس هناك ما يطمئن هؤلاء التجّار الصغار، فوفق رئيس اتحاد الغرف اللبنانية رئيس غرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت وجبل لبنان محمد شقير، «العجز سيزيد في لبنان خلال العام 2014»، وإذا لم تشكّل حكومة سيتجه الوضع نحو التأزم أكثر خصوصاً أنّ لبنان لن يكون قادراً على الوفاء بالتزاماته الخارجية. ... وفي «المولات» أيضاً لا تغرّد المولات التجارية خارج سرب الأزمة الاقتصادية والأمنية، فما ينطبق على الأسواق الشعبية المفتوحة يسري عليها أيضاً لكن مع خسائر أكبر أحياناً بسبب الإيجارات المرتفعة. فما ترويه البائعة سوزان نمّور كافٍ لإعطاء صورة واضحة عمّا يحدث في المولات، إذ تقول «منذ نحو عشرة أيام، دقّ جرس الإنذار في المول، فتوقّف الحاضرون كلّهم عن الـحراك وباتوا يـنظرون إلى بعضهم بـخـوف وقلـق متسائلين إذا كانت التوقّـعات حول الانفجارات التي ستطاول المـجمّعات التجارية قد صدقت». وعلى رغم أنّ جرس الإنذار لم يكن القصد منه التحذير من أي خطر أمني، فالمواطنون باتوا لا يحتاجون إلى أكثر من إشاعة للهلع وترك المغريات التي تعرضها عليهم المحال الموجودة ضمن المولات. وأمام هذا الواقع يقف التجّار متسائلين: «إذا كان رهاننا على موسم الأعياد قد فشل، فهل يمكن أن يكون موسم التخفيضات أفضل حالاً؟». حتّى الآن لا بوادر إيجابية في هذا المجال، فالهمّ الأمني يعلو على كلّ الهموم، ولبنان يحتاج إلى ما هو أكثر من موسم تخفيضات لتنشيط العجلة الاقتصادية. والقاسم المشترك بين التجّار كما المواطنين هو المطالبة بتشكيل حكومة إنقاذية لوقف التدهور الأمني والاقتصادي، وإلا ستقفل مؤسسات كثيرة أبوابها لعدم مقدرتها على مواجهة هذا المستوى المرتفع من الركود.
مشاركة :