قال الدكتور هشام حسين راشد الرميثي في خطبة الجمعة أمس إن شهر رمضان شهر البر والتقوى وفيه تظهر الأمة الإسلامية بأجمل وأبهى صورها وعزتها فمشاهد الخير والعمل لا تتوقف بل هي متنوعة ينتظرنها الناس كل عام يستقبلونه بالفرح والبهجة إذ يعد شهود هذا الشهر الكريم من نعم الله على عباده الصالحين, وكان خير البشرية يبشر الصحابة رضوان الله عليهم بقدومه، فعن أَبِى هُرَيْرَةَ قَال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُبَشِّرُ أَصْحَابَهُ «قَدْ جَاءَكُمْ شَهْرُ رَمَضَانَ شَهْرٌ مُبَارَكٌ افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ يُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَيُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ وَتُغَلُّ فِيهِ الشَّيَاطِينُ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ». إن إطعام الطعام قد جعله الله في كتابه من الأسباب الموجبة للجنة ونعيمها، قال تعالى: «وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا (9) إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا (10) فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا (11) وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا» [الإنسان: 8 - 12]. فوصف الله عز وجل فاكهة المؤمنين وشرابهم في الجنة جزاء لإطعامهم الطعام في الدنيا، روى الترمذي من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي أنه قال: «أيما مؤمن أطعم مؤمنا على جوع أطمعه الله من ثمار الجنة ومن سقى مؤمنا على ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم» إسناده حسن. وفي المسند وسنن الترمذي عن علي عن النبي أنه قال: «إن في الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها»، قالوا: لمن هي يا رسول الله؟ قال: «لمن أطعم الطعام وأطاب الكلام وصلى بالليل والناس نيام» حديث حسن. وفي حديث عبدالله بن سلام الذي خرّجه أهل السنن بإسناد صحيح، أنه سمع النبي أول مقدمه إلى المدينة يقول: «أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلّوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام». وعن عبدالله بن عمرو بن العاص، رضي الله عنهما أن رجلا سأل النبي: «أي الإسلام خير؟ قال: تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف» متفق عليه. ففي الأحاديث التي ذكرتها فوائد عظيمة ينبغي للمؤمن أن يعيها ويتصف بها، لأنها من مكارم الأخلاق ومن حميد العادات، فالحثّ على إطعام الطعام هو أمارة الجود والسخاء ومكارم الأخلاق وفيه نفع للمحتاجين وسد الجوع الذي استعاذ منه النبي، فإطعام الطعام يوجب دخول الجنة والنجاة من النار، كما قال عليه السلام: «اتقوا النار ولو بشق تمرة» متفق عليه. وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله: «من أصبح منكم اليوم صائما»؟ فقال أبو بكر: أنا! فقال: «من أطعم منكم اليوم مسكينا»؟ فقال أبو بكر: أنا، فقال: «من تبع منكم جنازة»؟ فقال أبو بكر: أنا، فقال: «من عاد منكم اليوم مريضا»؟ فقال أبو بكر: أنا، فقال رسول الله: «ما اجتمعت هذه الخصال قط في رجل إلا دخل الجنة». ويتأكد إطعام الطعام للجائع وللجيران خصوصا ففي الصحيح وفي صحيح مسلم عن أبي ذر عن النبي قال له: «يا أبا ذر إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها وتعاهد جيرانك»، وأفضل أنواع إطعام الطعام: الإيثار مع الحاجة كما وصف الله بذلك الأنصار رضي الله عنهم فقال: «ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة». وكان ابن المبارك رحمه الله ربما يشتهي الشيء فلا يصنعه إلا لضيف ينزل به فيأكله مع ضيفه، وكان ابن عمر رضي الله عنهما لا يفطر إلا مع اليتامى والمساكين، فهذه الأخبار والحوادث لا تحتاج إلى مقدمة أو تعليق لتبقى على جوهرها وروعتها، ولتترك أثرها في النفوس وفعلها في القلوب. الثاني من الدرجات: لين الكلام وفي رواية: «إفشاء السلام» وهو داخل في لين الكلام، وقد قال الله عز وجل: «ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم»، وعن أبي هريرة عن النبي قال: «والكلمة الطيبة صدقة» متفق عليه. ويدخل في لين الكلام لزوم الصمت وعدم الإكثار من الكلام ففي الحديث عن النبي أنه قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت» وقال أيضا: «من صمت نجا». والصمت يكسب المحبة والوقار ومن حفظ لسانه أراح نفسه وقد ورد عن عمر بن الخطاب وهو يخاطب الأحنف بن قيس: «يا أحنف من كثر كلامه كثر سقطه، ومن كثر سقطه قلّ حياؤه، ومن قل حياؤه قلّ ورعه، ومن قلّ ورعه مات قلبه». وأما إفشاء السلام فمن موجبات الجنة فعن أبي هريرة عن النبي قال: «والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم» وإنما جمع بين إطعام الطعام ولين الكلام ليكمل بذلك الإحسان إلى الخلق بالقول والفعل فلا يتم الإحسان بإطعام الطعام إلا بلين الكلام وإفشاء السلام فإن أساء بالقول بطل الإحسان بالفعل من الإطعام وغيره، كما قال تعالى: «يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى»، وربما تكون معاملة الناس بالقول الحسن أحب إليهم من الإحسان بإعطاء المال، كما قال لقمان لابنه: «يا بني لتكن كلمتك طيبة ووجهك منبسطا تكن أحب الناس إلى الناس ممن يعطيهم الذهب والفضة»، وقد كان النبي يلين القول لمن يشهد له بالشر فينتفي بذلك شرّه وكان لا يواجه أحدا بما يكره في وجهه ولم يكن فاحشا ولا متفحشا. يقول جرير بن عبدالله البجلي: ما حجبني رسول الله منذ أن أسلمت ولا رآني إلا تبسم. ومن هذا قول بعضهم وقد سئل عن حسن الخلق فقال: «السخاء والكرم وكفّ الأذى»، وحسن الخلق يبلغ به العبد درجات المجتهدين في العبادة، كما قال النبي: «إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجة صائم النهار وقائم الليل» رواه أبو داود بإسناد صحيح.
مشاركة :