يأتي التدخل الروسي الأخير في الشرق الأوسط على خلفية تاريخية ممتدة، تعود لقرون طويلة، وأن علاقة الروس بالعالم الإسلامي لم تكن ودية على الإطلاق عبر التاريخ. ويرى كثير من المحللين أن تدخل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لدعم نظام بشار الأسد في سورية رغبة صريحة منه في أن يأخذ دور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وأن يسيطر على المنطقة، إلا أن الأمر يختلف في روسيا، حيث إن موسكو ترى في ذلك عودة متأخرة لطموحاتها الجيوسياسية التي تعود لعهد القياصرة، وهو ما وصفه المحلل السياسي الروسي ورئيس تحرير مجلة "روسيا في السياسة العالمية"، فيودور لوكيانوف، بأنه وسيلة توضح روسيا من خلالها أن غيابها الدولي كقوة مؤثرة قد انتهى، وأنها عادت للساحة العالمية بقوة. وعلى الرغم من النجاح الذي حققه التدخل الروسي في سورية، في إنقاذ نظام الأسد، الذي بدا وكأنه في أيامه الأخيرة قبل تدخل روسيا، إلا أن ذلك التدخل ونتائجه النهائية تظل محدودة بالحالة الاقتصادية الروسية المتراجعة، مع كونها حققت هدفها الأول، وهو وضع نفسها كلاعب أساسي في المنطقة، والذي يُعد هدفا استراتيجيا مهما للروس تاريخيا. مع بداية الحرب العالمية الأولى، تلقى الروس وعدا من بريطانيا وفرنسا بأن تكون القسطنطينية من نصيبهم في حال هزيمة العثمانيين، إلا أن ذلك الوعد لم يتحقق بسبب الثورة البلشفية في عام 1917. وفي الفترة التالية، كان الاتحاد السوفيتي قد حافظ على أغلب ما غزاه قياصرة الروس، وسعوا نحو مزيد من النفوذ في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما تمكنوا من تحقيقه عام 1941، حيث نجحوا في احتلال إيران بمساعدة بريطانيا والإطاحة بالشاه. وفي ستينات القرن الماضي، ارتبط الروس بعلاقات قوية مع بعض الأنظمة العربية، حيث كانوا المصدرين الرئيسيين للسلاح، وكان خبراؤهم العسكريون يأتون لتلك الدول لنقل خبراتهم، إذ ركزوا على دعم الأنظمة اليسارية في مصر وسورية والعراق وليبيا وجنوب اليمن، إلا أن هذا النفوذ تراجع بشده مع تغييرات الوضع السياسي في المنطقة عبر السنوات التالية، وقيام الثورة الإيرانية عام 1979، وتوقيع مصر لمعاهدة السلام مع إسرائيل، واتجاه موسكو نحو أفغانستان بطموحات استعمارية، وهو ما أنهى نفوذها في الشرق الأوسط، بل وأسهم في انهيار الاتحاد السوفيتي. يعتقد الخبراء أيضا أن روسيا تفتقد القوة الناعمة التي تستخدمها الولايات المتحدة لبسط نفوذها عالميا، حيث من السهل ملاحظة تأثير الأفلام والموسيقى الأميركية على الشباب العرب وغيره، في حين لا نرى المثل بالنسبة لروسيا، بل إن التأثير الثقافي للمسلمين ينتشر في روسيا والتي تضم 15% من السكان المسلمين، علما بأن المقاتلين الروس يحتلون المركز الثاني من حيث أعداد المنضمين لتنظيم "داعش". ويلاحظ أيضا أن التدخل الروسي في المنطقة حذر للغاية، حيث يبدو أن روسيا استفادت جيدا من التجربة الأميركية في العراق. ووفي الواقع أن العلاقات الروسية بالشرق الأوسط، في الوقت الحالي، تمتاز عن علاقات الولايات المتحدة، أو حتى الاتحاد السوفيتي السابق، بأنها لا تقوم على أساس إيديولوجي، وأنها تخاطب قوى المنطقة جميعها.
مشاركة :