الجائل في شوارع الكثير من العواصم والمدن الأوروبية، بما فيها كبرياتها كلندن وباريس، سيدهشه هذا التنوع في سحنات السكان، فإضافة إلى أهل القارة العجوز من البيض والشقر، ستجد ذاك التنوع في لون البشرات وشكل الملامح. هناك الأفارقة والهنود والصينيون والعرب وغيرهم. كل هؤلاء باتوا مواطنين متساويين، على الأقل من وجهة نظر القانون الذي لا يفرق في الحقوق والواجبات بين مواطن أصلي وآخر مكتسب للجنسية بصرف النظر عن الأصل والفصل والحسب والنسب والدين والمذهب. بوسع أوروبا أن تتباهى بذلك، فثمة معايير مستقرة لحقوق الإنسان تراعيها الحكومات وتحترمها، وفي الحالات التي يصبح فيها أي مجتمع أوروبي مهدداً بأن يُحكم من القوى الأكثر عنصرية وعداء للمهاجرين، فإن القوى السياسية والحزبية المختلفة، على ما بينها من تناقضات واختلافات، تتحد للحيلولة دون بلوغ أصحاب الميول العنصرية سدة الحكم. حدث هذا في فرنسا غير مرة، وحدث في بلدان أوروبية أخرى أيضاً. لكن أوروبا اليوم منشغلة بأمر المهاجرين من البلدان العربية بشكل خاص، بعد أن تورط بعض الشبان من الجاليات العربية في عمليات إرهابية في البلدان التي تؤويهم وآوت من قبلهم آباءهم وربما أجدادهم، فالحديث لا يدور في هذه الحال عن مهاجرين جدد، إنما عن شبان ولدوا في أوروبا وتعلموا في مدارسها ومعاهدها. حسب بعض الدراسات فإن المسؤولين يقدرون عدد الشباب الأوروبيين من أصول عربية ومسلمة المنضمين لداعش بنحو خمسة الآف شاب موجودين في العراق وسوريا، وتظهر الأدلة أن ثمة خلايا نائمة كثيرة للتنظيم في البلدان الأوروبية، من صفوفها يخرج أولئك الذين يتورطون في عمليات إرهابية هناك. ورغم أن العدد المشار إليه يظل محدوداً من الأعداد المهولة للمهاجرين العرب والمسلمين، إلا أن الانشغال الأوروبي يتوجه نحو البحث في الأسباب التي تحمل هؤلاء الشبان على الانخراط في هذا الخيار المدمر، خاصة وأنهم على خلاف أسلافهم ولدوا في أوروبا وليس في بلدانهم الأصل، وأن الأسلاف أظهروا قدرة على الاندماج في المجتمعات التي وفدوا إليها لا تتوفر لدى بعض أبنائهم. يدور حديث عن مظاهر التهميش التي يتعرض لها المهاجرون في أوجه مختلفة، ولكن ليس ذوو الأصول العربية والمسلمة وحدهم من يتعرضون لذلك، كما يدور حديث عن أزمة في الهوية الثقافية ناجم عن توزع هؤلاء الشبان بين هويتين لا يجدون أنفسهم في أي منهما. مرة أخرى، هذا يواجه أبناء كل المهاجرين وليس العرب منهم فقط. لعل السبب في وجود النموذج الجاذب لهؤلاء المهمشين ممثلاً في داعش ونظيراته، وبالتالي فإن المشكلة ليست هناك، إنما هنا. د. حسن مدن madanbahrain@gmail.com
مشاركة :