قبل أسابيع قليلة، دشّنت شركة «بليندل» Blendle الهولندية خدمتها الإلكترونيّة لبيع المقالات الصحافيّة في الولايات المتحدة، لتنضم الأخيرة إلى ألمانيا وهولندا اللتين توّفر فيهما الشركة تلك الخدمة. وشكّل دخول «بليندل» التي يزيد عدد المشتركين فيها على 600 ألف مشترك، إلى الولايات المتحدة، مناسبة للتذكير بفرادة خدمات «بليندل». وعلى نطاق واسع، ويُنظَر إلى تلك الشركة باعتبارها متفرّدة في الفضاء الرقميّ، بتركيزها على حقوق قراءة مقالات من صحف ومجلات مختلفة بالمفرد، مع إلغاء الحاجة إلى دفع اشتراكات للصحف والمجلات التي تشملها مظلة أعمالها. ومشروع «بليندل» هو فكرة للمبرجين الشابيين الهولنديين: ألكسندر كلوبينغ ومارتن بلانكيستاين، انطلق في العام 2013 بعد حصوله على دعم الحكومة الهولنديّة. وكان نجاح الشركة في إقناع صحف ومجلات هولنديّة عدّة بالإنضمام إلى الموقع، مقدمة لانطلاقه في ألمانيا في 2015 وبعدها في الولايات المتحدة. وتعتبر هولندا رائدة في مجال المبادرات في الإعلام الرقمي. فعلى رغم كونها بلداً أوروبيّاً صغير المساحة، فإنها تحتل المركز الثالث عالميّاً، بعد الولايات المتحدة وبريطانيا، في بيع الأفكار التلفزيونية. وقبل فترة قصيرة، كشف أحد مالكي «بليندل» أثناء مشاركته في برنامج تلفزيوني هولندي، وجود من يريد أن يدفع عشرات الملايين من الدولارات لشراء حقوق فكرة «بليندل» التي بدأت في قبو منزله الصغير. لكل مقال... مال! من طريق الاشتراك بتلك الخدمة الهولنديّة، يغدو ممكناً اختيار مقال أو تحقيق معين، ودفع مبلغ لقراءة ما جرى اختياره، ثم يستقطع ذلك المبلغ من حساب المستخدم لدى «بليندل». وفي أوقات سابقة، خاضت الشركة الهولندية الفتيّة مفاوضات طويلة مع صحف ومجّلات مختلفة، بهدف إقناعها بطريقة تعامل «بليندل» مع الحقوق الفكريّة في المحتوى الذي تقدّمه تلك الصحف والمجّلات. وزاد في تعقيد تلك المفاوضات حينها، أن معظم تلك المؤسّسات الصحافيّة تملك نوافذها الخاصة لبيع محتواها الصحافي من طريق الاشتراكات الشهرية التي توفرها على مواقعها الإلكترونيّة، وبالتالي كانت مترددة في شأن زيادة منافذ العرض نظراً الى خشيتها من إرباك جمهور القرّاء. وفي خاتمة المطاف، وافقت تلك المؤسّسات على الانخراط في الخدمة التي تقدّمها «بليندل»، وذلك لاعتبارات ماليّة في الدرجة الأولى، وأيضاً بسبب الآفاق التي توفرها خدمات الشركة الهولنديّة. واستطراداً، راهنت تلك المؤسسات الصحافيّة على نوعيّة محتواها لجذب زبائن جدد عبر «بليندل»، معتبرة أن أولئك الزبائن ربما اختاروا في أوقات لاحقة الانتقال إلى وضعيّة الاشتراك الكامل فيها. وعلى رغم النجاح النسبي لخدمة «بليندل» التي يطلق عليها بعض المتهكّمين لقب «الدكّان الإلكتروني»، إلا أنّ ذلك لم يغيّر طبيعة استهلاك المادة الصحافيّة في الدولتين الغربيتين اللتين يتوافر فيهما ذلك الدكّان، بالطريقة القويّة التي كانت متوقّعة من قبل القيّمين على الشركة. تتوجّه الخدمة إلى جمهور يتمتّع بوعي مرتفع لكنه يبقى محدوداً من الناحية العدديّة، بل أن كثيرين من أفراد ذلك الجمهور يشتركون أصلاً في صحف ومجلات متنوّعة. يضاف إلى المحدّدات الكثيرة التي تقيّد أسلوب عمل «بليندل». إذ تعتمد الشركة على جاذبيّة المقدّمة القصيرة من المقالات أو التحقيقات أو اسم الكاتب أو المؤسّسة الصحافيّة المنشورة فيها، في لفت أنظار الجمهور ودفعه للشراء. دور «الاشتراكات الصغيرة» علاوة على الأسباب السابقة، يتعرّض عصب الخدمة الأساسي، المتمثّل في تسهيل الحصول على المواد الصحافيّة المدفوعة الثمن عبر اشتراك واحد، إلى تحديّات جمّة من الكيانات الصحافيّة نفسها. إذ تبدي تلك المؤسسات ميلاً متزايداً إلى تبسيط الاشتراك في خدماتها، عبر توفير «اشتراكات على المقاس» بمعنى أنها تكون متنوّعة بما يتوافق مع الأجهزة الأكثر رواجاً في الأسواق. وكذلك بات شائعاً لجوء المؤسّسات الصحافيّة إلى ما يسمّى «الاشتراكات الصغيرة» أو «مايكرو اشتراكات»، وهي تمكّن من شراء حقوق قراءة جزء من الصحيفة، لفترات قصيرة ربما اقتصرت أحياناً على أسبوع واحد. ولذا، يراهن المشروع الهولندي على تميز موقع «بليندل» الإلكتروني والبرامج التطبيقيّة الخاصة بالخدمة على الأجهزة النقّالة. وحاضراً، بات تصميم الموقع وما يتضمنه من خصائص تفاعليّة، عاملاً مهمّاً للغاية في المنافسة، خصوصاً أنّ كثيراً من الصحف تدفع مبالغ كبيرة من أجل الحصول على برامج تطبيقيّة خاصة بها على الـ «ويب». وفي المقابل، تجد مجموعة كبيرة من تلك المؤسّسات نفسها غالباً في مواجهة انتقادات الجمهور لتلك البرامج، فيما تكون المؤسّسات غير قادرة على تغيير تصاميم البرامج في فترات سريعة، لأسباب مادية بالدرجة الأساس، وخوفاً من المغامرة بزيادة عدم رضا المستهلك الذي ربما لا تعجبه التغييرات المتواصلة التي تطرأ على المواقع الإلكترونيّة والبرامج التطبيقيّة!
مشاركة :