«التحول» ليس «خطة خمسية»

  • 6/12/2016
  • 00:00
  • 65
  • 0
  • 0
news-picture

< تابعت مع غيري برامج «التحول الوطني» التي تم الإعلان عنها قبل بضعة أيام ثم قرأت كامل الملف (أكثر من ١٠٠ صفحة). تابعت أيضاً الكم الكبير من التشكيك في الأهداف والبحث عن أي مدخل قد يؤدي للطعن في هذا التحول وفعاليته. حقيقة لا ألوم أحداً من هؤلاء بعد أن أعيتنا العقود الماضية بالوعود التي لا يتحقق منها إلا النزر اليسير. فكم من «خطة خمسية» غطتها الرمال ونسيناها تماماً إما بسبب غياب آليات التنفيذ وأدوات المراقبة وبالتالي غياب مبدأ الثواب والعقاب، أو بسبب تصادم الأهداف مع الآيدولوجيا السائدة وانتصار تيارات التوجه نحو الغلو والتشدد الديني كطريق زائف للإنجاز وللتنمية كما تم إيهامنا، وإما ببساطة ارتفاع مداخيل النفط وانتفاء الحاجة لتلك الأهداف، كما كنا مع الأسف نتصور. اليوم كل شيء مختلف، النفط يهبط من دون وجود أي بارقة أمل بعودته إلى الأسعار العالية قريباً، وعدد السكان في المملكة ينمو بلا أي أمل في كبح جماحه، والآيدولوجيا إياها لم يخرج منها إلا الفكر المدمر الذي لم يعد خافياً على أحد. من هنا أتت الحاجة لتأسيس رؤية جديدة وتم الإعلان عنها قبل أشهر عدة. رؤية تختلف عن أي خطط سابقة في المضمون وفي الأهداف وفي الظروف المحيطة كما أشرت، ثم أتى بعد ذلك الإعلان المرتقب عن برامج «التحول الوطني» الذي أثار بعض الجدل. الذي علينا أن ندركه وألا نستعجل في الحكم عليه أن هذه البرامج ومنها «التحول الوطني» ليست إلا جزءاً في مقدم العمل الذي سنسعى من خلاله إلى تحقيق «رؤية المملكة ٢٠٣٠»، بمعنى أن الرؤية هي الهدف والأصل، بينما «التحول الوطني» وسيلة من بين مئات الوسائل التي إما أنها تأسست بالفعل أو سنضطر لتأسيسها لاحقاً لتحقيق الرؤية، لذا فالتزام الوزراء بالعديد من المبادرات والإنجازات المدونة في ملف «التحول الوطني» في نهاية العام ٢٠٢٠ هو خطوة أولى فقط للوصول لرؤية المملكة بعيدة المدى، التي ستستمر لما بعد ٢٠٣٠ بحيوية وتطوير مستمر. ما يميز السير نحو تحقيق أهداف «رؤية المملكة ٢٠٣٠» عن غيره من مسارات الخطط الخمسية التنموية السابقة هو انتماؤه لأدوات العصر الحديثة، أقصد بذلك رسم الأهداف الحقيقية، واستغرق ذلك حسب علمي، عشرات الأشهر من الدرس والتعمق بإشراف عدد من كبريات الدور الاستشارية العالمية. كما أن سبل التحقيق وأدوات المراقبة والدعم هي الأخرى استغرقت أوقاتاً مماثلة، إذ لا يكفي أن تضع الأهداف من دون أن تتبنى الطرق الملائمة لتحقيقها والأدوات العادلة لتقويم العمل وقياس الأداء. الحقيقة أن كل ما نفعله اليوم ينطوي تحت ما يعرف في علم الإدارة بـBest Practice أي أفضل الممارسات. نعم الأهداف التنموية المرسومة كبيرة وطموحة وتتحدث عن أرقام يشكل بعضها تحدياً كبيراً، مثل رفع نسبة مشاركة المرأة في العمل الحكومي إلى 42 في المئة، ما يعني المساهمة في خفض نسبة البطالة إلى قرابة 9 في المئة‏ في أقل من أربع سنوات، مع علمنا وإدراكنا بعدد المتخرجين وطالبي العمل الجدد سنوياً الذي يصل إلى أكثر من ٤٠٠ ألف شخص، ومع العلم أيضاً بمحدودية حجم الوعاء الوظيفي المتاح في المملكة حالياً. لكننا نعلم أيضاً أن منهجية التنفيذ ووسائل التقويم والمراقبة والقياس الجديدة ستضع كل وزارة في زاوية التحديث والإصلاح لمواجهة هذه التحديات وخلاف ذلك سيكون الفشل. وما يميز أيضاً هذا العمل عن سابقه أن مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية عمل على تأسيس مكاتب ولجان مستحدثة للدعم والتدخل السريع وتقديم العون لأي جهاز حكومي يصطدم تنفيذه ببعض العراقيل، هذه الأدوات لم تكن متوافرة في الماضي. القياس الذي أشرت له قبل قليل يتولاه «مكتب الإدارة الاستراتيجية والمركز الوطني لقياس أداء الأجهزة العامة»، وهو جهاز جديد تم استحداثه، سيعمل هذا المكتب على تطبيق القياس مرتين في السنة، وسيعتمد على ما يعرف بالمنحنى المعياري الذي سيعتمد على أكثر من معيار ومؤشر لتقويم المنجز ومسببات نجاح العمل أو فشله بطريقة علمية لا تقبل المجاملات، بمعنى آخر سيخضع كل وزير إلى هذا التقويم وبقاؤه قد يكون مرتبطاً بنتائجه. لذا، فإنه لا يجوز مقارنة ذلك مع ما حدث في الماضي من مبادرات فاشلة وبالتالي تغليف كل ما نراه اليوم بالتشاؤم والإحباط. سأستحضر على سبيل المثال، فشل عدد من المدن الاقتصادية التي بدأت هيئة الاستثمار الحديث عنها قبل 10 سنوات، هذا الحديث بالمناسبة، تكرر كثيراً هذه الأيام وتم استخدامه للنيل من الرؤية الجديدة، الحقيقة أن ذلك الفشل لم يكن بسبب الهيئة ولا رئيسها عمرو الدباغ كما أشارت إليه تلك الحملات قبل عقد من الزمن، بل بسبب عدم تحضير البيئة الاستثمارية المناسبة في المملكة عموماً، وفي طليعة ذلك تنظيم القضاء وعصرية الأحكام وسرعة الوصول للحكم، هذا التطوير من بين عدد من المعوقات الأخرى، لم يكن من مسؤولية هيئة الاستثمار على الإطلاق، فشلنا في خلق البيئة الجاذبة للأموال والمشاريع المتنوعة تتحمله كل أجهزة الدولة بسبب غياب النظرة الشاملة لحاجة التنمية في ذلك الوقت، بهذه المناسبة تمنيت لو أن من أهداف وزارة العدل تقنين القضاء ضمن برنامج التحول، لكنني لم أجده، وأعلم أن هذا التنظيم حتماً سيرى النور قريباً ونتطلع لإلحاقه ضمن أهداف الوزارة لأهميته البالغة. في جميع الأحوال نستطيع الخلاص إلى قناعة بأن الرؤية بما حملته من تفاصيل وأدوات للتحقيق والمراقبة أعادت العربة إلى الطريق الصحيح المؤدي للهدف. كانت هذه العربة بخزانات وقود ضخمة تسير في طريق صحراوي من دون وجود دليل أو ما يعرف بجهاز GPS وتسبب ذلك في وقوعنا في أودية ومنعطفات لكنها تسير، كان البعض يجذبها لجهة وآخر إلى حفر ومستنقعات، كانت ماكينة العربة لا تقبل استبدال قطع الغيار بل لم يكن يوجد كاشف لصلاحية هذه القطع، اليوم عادت العربة إلى الطريق المعبد الذي يحمل لوحات إرشادية مضيئة عند كل تقاطع ومنعطف، الماكينة تم توضيب عدد من أجزائها ولدينا مستودع لاستبدال الأجزاء الأخرى، وكل ما علينا فعله هو إجراء الصيانة الدورية كل ستة أشهر. الأمر الآخر وهو الأهم برأيي، أن بلادنا تضخمت وزاد وزنها وتنوعت حمولتها وتغيرت مكانتها العالمية وتعددت مسؤولياتها. رؤية المملكة التي نتحدث عنها اليوم استوعبت كل هذه الحقائق ووضعت الخطط التي ستعيد للجسد شبابه وحيويته وللعربة تخفيف أحمالها وانطلاقها من جديد. الرؤية تعني ببساطة وباختصار، ميلاد دولة جديدة للغد، دولة تختلف كثيراً عن الماضي بكل ما تحمله هذه العبارة من معنى وربما ألم. أقول ذلك لأن «البعض» منا قد يرى أن هذا التغيير لن يكون مقبولاً لكنها الحقيقة مع الأسف. ننتقد نعم لكن مع الحذر الشديد والاستيعاب الكامل أن نجاح الرؤية ولو بتحقيق نصف الأهداف المرسومة يعني البقاء لنا جميعاً، وفشلها لا قدّر الله يعني التيه والضياع.     * كاتب سعودي. F_Deghaither@

مشاركة :