في بداية الثمانينيات، ومع بدايات التمدد السرطاني للثورة الإيرانية الطائفية، ونشوب الحرب بين العراق وإيران الخميني، كان الخميني لا يترك مناسبة في توعّد إسرائيل، وأنّ تحرير القدس سيكون قريباً، وتلاعب بعواطف البلهاء من العرب، الذين تناسوا أن إيران تحتل الأحواز العربية، وهي كمساحة تساوي أضعاف ما تحتله إسرائيل في فلسطين، مع تماثلهما في جرائم الإبادة والإذلال، وتقبّلوا فوق ذلك استراتيجيته الفضيحة، بأنّ احتلال بغداد هو طريق تحرير القدس!. في تلك الفترة، خرجت دراسة للكاتب السياسي الإسرائيلي عوديد ينون، تحمل عنوان (استراتيجية لإسرائيل في الثمانينيات)، طالب فيها بضرورة تقسيم الدول العربية، وحدَّد بأنّ أهم وسيلتين قادرتين على إنجاز هذا التقسيم، هما: الأقليات في الدول العربية، ودول الجوار غير العربية، فالأقليات يُحرّكها دوماً الرغبة في الانفصال، وتقسيم البلد الواحد، ولديها قدرة داخلية لإطالة استنزاف وإضعاف الوطن الأم، بينما تقف إيران كنموذج لدول الجوار غير العربية المؤهلة لدعم هذه الاستراتيجية، وهذه الجزئية الأخيرة، كانت المبدأ الرئيس الذي نادى به كثيراً بن غوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل، بأنّ على بلاده أن تتحالف مع دولة غير عربية لموازنة الخطر المحيط بها من جيرانها العرب، لذا، لم يكن غريباً تحالف إسرائيل مع إيران والأكراد وإثيوبيا!. خلال الحرب ضد العراق، نشرت صحيفة Jerusalem Post الإسرائيلية في 6 ديسمبر 1986، تقريراً يقول: إن كامل مجتمع المخابرات الإسرائيلية، يدعم السياسة والموقف الإيراني، لأن العراق كان طرفاً في كل حرب ضد إسرائيل، وهو الركن الرئيس في الجبهة الشرقية، بينما نظام الخميني الأصولي عدوّه (الأول والأخير)، هم العرب أنفسهم، وهو رأيٌ أكّده أمنون شاحاك رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق، بقوله:لم تكن إيران تمثل خطراً مباشراً، ولم يسبق لها أن مثّلت خطراً لنا، أمّا العراق، فنعم!. مع تصاعد دجليات الثورة وأركان ثورة الشر ضد إسرائيل خلال الحرب مع العراق العربي لكسب تعاطف السُذّج من الجماهير العربية، صُدِم العالم بفضيحة إيران كونترا، عندما سقطت واحدة من عِدّة طائرات -متجهة لإمداد إيران -تحمل أسلحة أميركية متطورة، وتقنيات عسكرية وذخائر متقدمة على الحدود التركية السوفييتية في يونيو 1981، والتي تبيّن أنها مُجازة من حكومة ريغان، وكان عرّابها الجنرال الإسرائيلي ياكوف نيمرودي، والذي كان رئيس وحدة الموساد الإسرائيلية في طهران، وفي مايو 1982، اعترف آريل شارون وزير الدفاع، بأن بلاده تبيع الأسلحة لإيران في حربها ضد العراق، وأكّد السفير الإسرائيلي بواشنطن موشي أرينس، أنّ هذه الشحنات قد تمت الموافقة عليها من المستويات العليا في الحكومة الأميركية! بعد سنتين، سيمر قرنٌ كامل على تقسيم الدول العربية، وفق اتفاقية سايكس-بيكو، بينما يبدو في الأفق، المرحلة الثانية من هذه الاتفاقية، والتي كان هدفها إضعاف الدولة العربية، لتبدو ككيانات هشة، ولأن ذاك لم يحدث، وتبلور عكسه في حروب العرب ضد إسرائيل، والتي قامت تحديداً على مبدأ القومية العربية، كان لزاماً على الغرب أن يضرب ذلك المبدأ من الداخل، بإعادة تقسيم هذه الدول، ليس بالمنطق السابق القائم على التفتيت الجغرافي فقط، ولكن بنوع شيطاني جديد، قائم على التقسيم الإثني والعرقي والطائفي، وإيجاد كيانات طائفية للأقليات، تمنع وحدة موقف الدول العربية لاحقاً، والتي تعتبر موطناً للشر! نحن موطن شر، في عُرف كثير من موجّهي القرار السياسي في الغرب، كما نقل عن اليهودي المعروف برنارد لويس: إن العرب والمسلمين قوم فاسدون مـُفسدون فوضويون، لا يمكن تحضيرهم، وإذا تـُركوا لأنفسهم، فسوف يفاجئون العالم المتحضر بموجات بشرية إرهابية، تدمر الحضارات، وتقوض المجتمعات، ولذلك، فإن الحل السليم للتعامل معهم، هو إعادة احتلالهم واستعمارهم، ويذكر تلك الأداة الاستعمارية المقصودة، وهو يضيف قائلاً: لذا، فإنه من الضروري إعادة تقسيم الأقطار العربية والإسلامية إلى وحدات عشائرية وطائفية، ولا داعي لمـراعاة خواطرهم، أو التأثر بانفعالاتهم وردود أفعالهم، ويجب أن يكون شعار أميركا في ذلك: إما أن نضعهم تحت سيادتنا، أو ندعهم ليدمروا حضارتنا، ثم يذكر تلك الشماعة التي يُضحَك بها على السذّج ولا مانع عند إعادة احتلالهم، أن تكون مهمتنا المـُعلنة هي: تدريب شعوب المنطقة على الحياة الديمقراطية! هذه الخطة الشيطانية، والتي نشرت صحيفة New York Times ومجلة Time الأميركيتين، بعض خرائطها، والتي توضح إحداها تقسيم السعودية والعراق وسوريا وليبيا إلى 14 دولة، وجدت أدواتها في شفرتي مقصٍ واحد: داعش والمليشيات الشيعية، داعش، التي لم يسلم أحد من نارها، ما عدا دولتين فقط إيران وإسرائيل، لكي نفهم خفايا اللعبة جيداً، وما عربدتها الإجرامية وسرعة اقتحامها للمدن، ثم خلق مُسوِّغ للمليشيات الطائفية للمواجهة ودخول ذات المدن، والبدء في عمل تطهير عرقي ضد السنة تحديداً، وتحت صمت غربي تام متمالئ، إلا بيان على أنّ خطة التقسيم على ركائز طائفية عرقية، تمضي كما يريدون! العظم الذي نشب لهم في البلعوم، ولم يكن الحلف الأميركي الإيراني الإسرائيلي يتوقعه، كان من شقين، الأول: إنقاذ مصر من حكم الإخوان، الذين هم حلفاء ثورة إيران منذ بدايتها، مهما تشدقوا بعكس ذلك، والحفاظ على الجيش المصري القوي، الذي يعتبر أهم رادع أمام الأحلام التوسعية الصهيونية، والثاني: خروج قوة إقليمية على الجبهة الشرقية المواجهة لإيران، وهي التحالف العربي، وإجهاض جزئية المخطط التقسيمي في اليمن، والذي أسقط الحسابات الإيرانية تحديداً، التي كانت تهدف لابتلاع الشرق العربي بكامله، بعد احتلالها للعراق ببنادق أميركية، وسيطرتها على القرار السوري بمباركة روسية! في هذه المرحلة الحرجة، تحتاج الأوطان ليقظة شعوبها، والتفافها حول قياداتها الشرعية، واستعدادها التام للدفاع عن تراب أوطانها، مهما كان الثمن غالياً، فمن احتل بغداد، لم يُحرّر القدس، ولكن استباح الدماء والأعراض في طول العراق وعرضه، والمحتلّون عندما يأتون، لا يرحمون أحداً، فمن يأتي على ظهور الدبابات، لن يُقدِّم أزهاراً، بالتأكيد!
مشاركة :