توقع مختصون نفطيون أن تواصل أسعار النفط الخام تقلباتها السعرية خلال الأسبوع الجاري مثلما حدث في الأسبوع الماضي حيث ارتفعت الأسعار إلى أعلى مستوى في 11 شهرا إلا أنها لم تمكث كثيرا عند هذه المستويات القياسية وارتدت نحو الانخفاض بنحو 3 في المائة قبل نهاية الأسبوع. وبحسب المختصين فإن أسعار الخام تتنازعها عدة عوامل متباينة التأثير حيث ارتفعت تحت ضغط تقلص الإمدادات في ضوء تراجع إنتاج نيجيريا وعدد من المنتجين خارج منظمة "أوبك"، كما تراجع الدولار أمام بقية العملات في النصف الأول من الأسبوع، فيما تحسنت مؤشرات الطلب على نحو واسع خاصة في الصين. وشهد النصف الثاني جني الأرباح وزيادة المضاربة ما أدى إلى تراجع الأسعار وعزز هذا الاتجاه عودة صعود الدولار وزيادة منصات الحفر الأمريكية للاستفادة من تحسن ونمو كبير في مستوى الأسعار. وكشفت بيانات اقتصادية حديثة عن وجود فائض هائل من المخزونات النفطية في الصين ثاني أكبر مستهلك للنفط في العالم بما يفوق احتياجاتها الاستهلاكية وهو ما أثار تخوفات كثيرين من ارتداد الأسعار نحو الانخفاض في الأسبوع الجارى والأسابيع اللاحقة إلا أن أغلب التوقعات تميل إلى أن الانخفاضات ستكون محدودة. في المقابل، لا تزال أغلب التوقعات الاقتصادية تصب في صالح انحسار شديد في تخمة المعروض مع نمو الطلب ما يدفع الأسعار للنمو في أغلب الأحيان، وفي هذا الإطار صدرت بيانات عن بنك "أوف أميركا ميريل لنش" تؤكد أن سعر النفط الخام سيصل إلى 70 دولارا للبرميل قبل منتصف العام المقبل مع تبدل العلاقة بين العرض والطلب نحو تفوق تدريجي في نمو الطلب، وتوقع بنك أوف أميركا ميريل لنش، في مذكرة بحثية للعملاء وصول أسعار النفط في بداية الشهر الجاري إلى 54 دولاراً للبرميل بنهاية الربع الأخير من العام الجاري. ويقول لـ"الاقتصادية"، الدكتور جارمو كوتيلايني كبير الاقتصاديين في مجلس التنمية الاقتصادية البحريني، إن ظروف سوق النفط إيجابية للغاية في المرحلة الحالية بعد تجاوز مرحلة الانخفاضات الصعبة مشيرا إلى أن أبرز الضغوط السلبية على أسعار الخام في المرحلة الحالية تتمثل في صعود الدولار الذي يضغط على أسعار النفط ويقلص من مكاسبها. وأشار كوتيلايني إلى أن هذا الارتباط بين النفط والدولار يمثل عبئا كبيرا على النفط ويكبح بلوغ مزيد من المكاسب التي يمكن أن يحققها خاصة في المرحلة الحالية التي تتقلص فيها الإمدادات وتتحسن مؤشرات الطلب معتبرا أن حالة تخمة المعروض السابقة تتجه إلى زوال وأن تراجعات الأسعار منسوبة بشكل أساس لصعود الدولار إلى جانب أنشطة المضاربة في السوق. وأضاف كوتيلايني أن تعافي أسعار النفط سيطغي تدريجيا على السوق ولكن بوتيرة أبطأ نسبيا بسبب العوامل المعرقلة لذلك مع احتمال عودة نشاط إنتاج النفط الصخري أيضا وهو ما سيمثل عنصرا آخر ضاغطا على نمو الأسعار. واعتبر كوتيلايني أن عودة أسعار النفط المناسبة للمنتجين والاستثمارات لا يجب أن تعطل خطط التحول الاقتصادي التي بدأتها عديد من الدول بنجاح وعلى رأسهم السعودية حيث إن الاقتصاد المتنوع وتقليل الاعتماد على الخام والتوسع في موارد الطاقة المتعددة هم ركائز التنمية في أغلب دول العالم في السنوات المقبلة. وأوضح لـ"الاقتصادية"، الدكتور فيليب ديبيش رئيس المبادرة الأوروبية للطاقة، أن أسعار النفط ستشهد مزيدا من النمو خلال النصف الثاني من العام الجاري مشيرا إلى أنه وبحسب تقديرات البنك المركزي الروسي فإن مستويات الأسعار المنخفضة التي سجلت في يناير الماضي قرب منتصف العشرينيات لن تعود مرة أخرى لأن الأسعار تجاوزت أقصى مدى في الانخفاض وتتجه الآن بقوة لاستعادة مستويات أسعار متوسطة ومستقرة نسبيا. وأضاف ديبيش أن تنامي الأسعار سيكون له انعكاسات إيجابية واسعة على الاستثمارات خاصة فيما يتعلق بوقف عمليات شطب الوظائف وتسريح العمالة التي حدثت بشكل واسع في الفترة الماضية مشيرا إلى أن أحدث الإحصاءات كشفت عن إلغاء 120 ألف وظيفة في القطاع النفطي في بريطانيا خلال عامين وهو ما يمثل كارثة على الصناعة حيث من الصعب استعادة هذه العمالة خاصة عالية التأهيل منها. وأشاد ديبيش بخطة التحول الاقتصادي في السعودية واعتبرها مثالا ناجحا لكل المنتجين الذين يعتمدون على النفط الخام في اقتصاديات دولهم لافتا إلى أن التنوع في الموارد يضيف قوة للأداء الاقتصادي وقدرة على امتصاص تأثير الأزمات الاقتصادية الدولية الكبرى معتبرا أن إعلان السعودية خطة لزيادة الإيرادات الحكومية غير النفطية إلى أكثر من ثلاثة أمثالها وخفض عبء الأجور بالقطاع العام على مدى الأعوام الخمسة المقبلة في إطار إصلاحات تستهدف الحد من اعتماد الاقتصاد على النفط يمثل نقلة نوعية للاقتصاد السعودي وبرنامج عمل جيدا في ضوء وجود أهداف اقتصادية واضحة ومحددة. وتقول لـ"الاقتصادية"، إيريكا ماندرفينو مدير العلاقات العامة بشركة "إيني" الإيطالية العملاقة للطاقة، إن الطاقة التقليدية خاصة النفط والغاز سيظلان مكونين رئيسين لمنظومة الطاقة في العالم لعقود مقبلة ومن هذا المنطلق تركز "إيني" على الاكتشافات الجديدة ذات الجدوى الاقتصادية المرتفعة وآخر هذه الإنجازات تمت في جنوب بلطيم في مصر قبل أيام وهناك ثقة تامة من الشركة في استقرار وتوازن السوق بشكل أكبر وتعافي الأسعار خلال الفترة المقبلة. وأشارت ماندرفينو إلى أن "إيني" توسع الاكتشافات الجديدة مع إعطاء اهتمام أكبر للتكنولوجيا والتقنيات المتطورة التي تمكن من حلول قادرة على تسريع البدء في الإنتاج موضحة أن استراتيجية "إيني" تهدف إلى التركيز على الفرص عالية القيمة والإنتاج السريع، مضيفة أن فرص نمو الإنتاج والاستثمار في قطاع الغاز متنامية خاصة أنه متوافق بدرجة أكبر مع المعايير البيئية وقليل الانبعاثات ويعد أبرز نماذج الطاقة التقليدية الصديقة للبيئة، متوقعة نمو استثمارات الغاز ومشاريع الغاز الطبيعي المسال على نحو واسع في السنوات المقبلة. وشددت ماندرفينو على أهمية توسيع الشراكة بين شركات الطاقة للتغلب على صعوبات السوق ولزيادة فرص الاستثمار مشيرة إلى الشراكة الناجحة بين "إيني" وبريتيش بتروليوم" في إنتاج الغاز بمصر. وذكرت مدير العلاقات العامة بـ"إيني" الايطالية أن الشركة لها استثمارات جيدة أيضا في النرويج تركز فيها على الاستعانة بالابتكارات التكنولوجية التي توفر أقصى معايير الأمن البيئي خاصة في حقل "هامرفست البحري" الذي ينتج نحو 80 ألف برميل نفط يوميا منها 52 ألف برميل حصة "إيني" وقد تمكنت عبر هذا المشروع من تخفيض انبعاثات الكربون بنحو 50 في المائة، ومن المتوقع أن يصل إنتاج المشروع إلى 100 ألف برميل يوميا وطاقة تخزينية 950 ألف برميل نفط مكافئ. وكانت أسعار النفط تراجعت في ختام تعاملات الأسبوع الماضي بنسبة 3 في المائة بعد بيانات تظهر ارتفاع عدد منصات الحفر النفطية العاملة في الولايات المتحدة للأسبوع الثاني على التوالي وصعود الدولار فيما أثر على الطلب. وانخفضت العقود الآجلة لخام برنت 1.41 دولار أو نحو 2.7 في المائة عند التسوية إلى 50.54 دولار للبرميل مسجلة أكبر انخفاض لها في شهر، فيما هبطت عقود الخام الأمريكي غرب تكساس الوسيط 1.49 دولار أو 3 في المائة إلى 49.07 دولار للبرميل عند التسوية مسجلة أكبر هبوط منذ مطلع نيسان (أبريل)، وخلال الأسبوع ارتفع برنت بنحو 2 في المائة وزاد الخام الأمريكي بنحو 1 في المائة مدعومين بمكاسب في الجلسات السابقة. وأظهرت بيانات شركة "بيكر هيوز" للخدمات النفطية، أن عدد الحفارات النفطية العاملة في الولايات المتحدة ارتفع للأسبوع الثاني على التوالي وذلك للمرة الأولى منذ آب (أغسطس)، بعدما ارتفعت أسعار النفط الخام هذا الأسبوع لأعلى مستوى في 11 شهرا فوق 51 دولارا للبرميل. ويعتقد محللون ومنتجون أن ارتفاع الأسعار فوق 50 دولارا سيحفز الشركات للعودة للإنتاج بعد تباطؤ نشاط الحفر لنحو عامين، فيما أشارت "بيكر هيوز" في تقريرها الأسبوعي الذي يحظى بمتابعة واسعة إلى أن شركات الحفر أضافت ثلاث منصات في الأسبوع المنتهي في العاشر من حزيران (يونيو) ليصل إجمالي عدد الحفارات العاملة إلى 328 انخفاضا من 635 حفارا كانت قيد التشغيل قبل نحو عام. وفي 2015 خفضت شركات الحفر النفطي عدد المنصات بمتوسط 18 حفارا في الأسبوع وبعدد إجمالي للعام بلغ 963 وهو أكبر انخفاض سنوي منذ عام 1988 على الأقل وسط أكبر هبوط في أسعار الخام منذ عقود، وقبل الأسبوع الحالي لم تزد الشركات عدد المنصات هذا العام إلا مرتين فقط، وخفضت الشركات العدد بمتوسط عشر منصات أسبوعيا وبإجمالي 211 هذا العام.
مشاركة :