يبدأ صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، قصيدته ابتهال إليك إلهي بعبارة إليك إلهي ويتركها مفتوحة من دون أن يربطها بفعل أو وصف مفسر لها محدد لمقصديّتها، فهل هي إليك لاجئ أو إليك متضرع أو إليك راغب، وقد أحسن إذ تركها مفتوحة لأن حال الإنسان مع الله لا تخلو من كل تلك المعاني، فهو يلجأ إليه خائفاً من عقابه فيؤمنه الله، ويتضرع إليه أن يغفر له ويجنبه المكاره فيجيبه، ويرغب إليه أن ينشر عليه لباس نعمته فيتفضل الله عليه بذلك، فلهذا ترك الشاعر إليك إلهي مفتوحة، ثم أردفها بوصف نفسه بأنه عجول وهي مبالغة من العجلة والسرعة في الأمر، يعني أنه عجول إلى الله في كل حاله، وتلك صفة الراغب الراهب لربه الذي يراقبه في كل أمره، وفي العبارة ظلال الآية القرآنية الكريمة في قول الله - تبارك وتعالى - على لسان موسى عليه السلام: وعجلت إليك ربِّ لترضى فمقصد العجلة هو الأوبة إلى الله بالتوبة والرغبة فيما عنده، وذلك سبب لرضاه. بعد الاستئناس بمرضاة الله المقرونة بالإسراع إليه، يكون الطلب والسؤال وإني لمولاي الكريم سؤول لأن المرغوب يُسأل بعد الترضية، والله أحق من يُسترضى، عند السؤال ولهذا يقال في الدعاء المأثور: اللهم إني أسألك رضاك والجنة، وأعوذ بك من سخطك والنار؛ لأنه لا سبيل لها إلا بمرضاة الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم مطمئن بعطاء ربه؛ لأن الرسول الذي لا ينطق عن الهوى أخبر عنه بأنه جواد كريم، وأدلة ذلك الكرم في القرآن والسنة لا تحصى، ويؤكد الشاعر ثقته بالله ورجاءه به في البيت التالي، وأن ذلك الرجاء لا يزول ما دام حياً، وما دامت الدنيا قائمة، وكنّى عنها بعبارة ما ذرّ شارق، وما حان من شمس النهار أفول أي ما طلعت الشمس وما أفلت على الكون؛ لأن الشمس هي علامة الدنيا، وتوقفها عن الطلوع والغروب علامة القيامة، فمعناه أن ثقته في الله ورجاءه له راسخ لا يمكن أن يزحزحه شيء من تقلبات الحياة، ويزيد سموه تأكيد ذلك الرسوخ بالقسم في قوله فوالله، مقسماً على تعلقه بالله ووجده به الذي لا يشفيه إلا القرب منه، والوصول لمقامات الإيمان العليا التي تجلب مرضاته سبحانه وتعالى، ويسترسل الشاعر في تفصيل علامات ذلك الوجد الذي رسخ في أعماقه، حتى أتلف مهجته، وأذابها صبابة بحب الله، فأحال نهاره مثل نهار التالفين من المحبين الذين يعذبهم تذكر أحبتهم في كل لحظة من لحظات أيامهم، ويُسْهرهم ويسَهِّدهم التفكر فيهم طوال الليل، فتطول لياليهم بأرق لا يزيدهم إلا عذاباً فوق العذاب، وهو لا راحة له إلا بذلك الــ وصول، والوصول في عرف العارفين المحبين هو استئناس القرب من الله، واستشعار معيته ولطفه في كل الأحوال، وهو مقام من العبادة جليل، ودرج من الارتقاء عظيم، يقول: كلفت به وجداً وأتلف مهجتي وداد لمن نفسي إليه تؤولُ نهاري نهار التالفين صبابة وليلي إذا عز الرجاء يطولُ يعود صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في البيت السابع إلى ما بدأ به إليك إلهي؛ ليشعر القارئ بمركزية تلك العبارة ومدلولها في النص، فهي التي عليها مدار الابتهال كله، فغاية النص هو تأكيد هذا التسليم، بالرجوع إلى الله، والاعتراف بالعجز والخضوع أمام عظمته، ولذلك ربطها بقوله مرجعي، فهو - جل جلاله - المآل في كل شيء الذي إليه يرجع الأمر كله، كما أن إعادة عبارة إليك إلهي موظفة لاستئناف معنى جديد، فالشاعر هنا يسلم أمره معترفاً بضعفه أمام عظمة الجبار، وبعجزه عن تقديم الحجة التي يدافع بها عن التقصير في جانب المولى، وهو مدرك أنه عندما توضع موازين العدل يوم القيامة، وتعرض على الناس أعمالهم، في يوم تذهل فيه المرضعة عن رضيعها، وتزيغ فيه القلوب، لن يجد أحد حجة يدفع بها عن نفسه؛ لأن الحساب دقيق، فمهما عمل المرء في الدنيا من عبادة، ومهما بلغ من درجات التنسك والزهد، فإن ذلك لا يعدل نعمة واحدة من نعم الله عليه، ونعمه لا تحصى وكذلك مهما كانت درجة إيمان الإنسان وتقواه فإنه يظل محتاجاً إلى عفو الله، في ذلك الموقف العظيم، لا يبقى إلا فضل الله وكرمه الذي يتفضل به على عباده المؤمنين، الذين جاؤوه مسلمين مسلّمين، راجين لعطائه، فيمُنّ عليهم المنة الكبرى ويتحفهم بالتحفة الفضلى، وهي دخول الجنة، وهذا ما رجاه الشاعر حين أعلن التسليم التام، وتبرأ من حوله وقوته، واعترف بعجزه أمام قدرة الله، يقول: إليك إلهي لا لغيرك مرجعي وإني بما قد رابني لخجولُ وما حجتي عند السؤال وحاجتي وماذا إذا حان الجواب أقولُ؟ وإنيَ لا أدري بما الله فاعـــــــل إذا بان في آن الحساب ذهولُ لكنّ هذه الريبة والخوف والرهبة من موقف العرض على الله، تقابلها رغبة أخرى ورجاء في أن يغفر له، ويتفضل عليه بنعائمه، ويتقبله في الصالحين المؤمنين الذين يشملهم بعفوه ويدخلهم جنته، وهذه الملازمة بين الخوف والرجاء هي أحسن أحوال المسلم، وهي النهج الصحيح في العبادة؛ لأن الخوف من دون الرجاء قنوط من رحمة الله، والرجاء من دون خوف طلب ما لا طمع فيه، يقول سموه: سوى أنني أرجو نداه وجودَهُ وأن يشمل العبد الفقير قبولُ لا شفاء للشاعر من عشق الله دبي: الخليج يدور ابتهال إليك إلهي لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، حول الكثير من المعاني الدينية التي صاغها سموه على شاكلة الابتهال، هذه الابتهالات التي أصبحت ترد تباعاً في الرصيد الشعري لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، في هذا الشهر الفضيل، وتتألف في معظمها من عشرة أبيات مزدانة بحلة روحية تلخص علاقة المعبود بخالقه، وتروم طلب فضله ومغفرته وثوابه، وترتجي عطفه وحنانه ولطفه وبركاته. وتمثل تلك المعاني المشار إليها سابقاً علامة بارزة في شعر الابتهال ومرتكزاً أساسياً في القصائد الدينية التي تمثل ظاهرة مستحبة ومحمودة في شهر رمضان الكريم، هذا الشهر الذي أبدع فيه سموه في هذا النوع من القصائد، حيث تأتي قصيدته الجديدة إليك إلهي لتطوف في إشراقات من الدعاء، هذا الذي يبدأه سموه بكلمة تشير إلى العجلة حيث العجلة في الدعاء هنا، هي أمر مستحب، وهي تحتمل الكثير من المعاني والدلالات، فهي عجلة في طلب المغفرة وعجلة في التقرب إلى الله، وعجلة في التضرع والسؤال. هذا الاستهلال الشعري يبدأ بالاتضاح في البيت الثاني، وما بعده عند قول سموه: وقد جاءني عنه الحديث بأنّه جواد غفور جاء عنه رسولُ وإن رجائي فيه ما ذرّ شارق وما حان من شمس النهار أفولُ طلب الرجاء إلى الله هنا، يكتسب صفة الديمومة، حيث ما تشير إلى الزمن، أمّا براعة التصوير في هذا البيت، فتتضح منذ قراءتنا لعبارة ذرّ شارق حيث ذرّ تشير إلى أول البزوغ، وشارق هي الشمس، وهي اسم فاعل من شرق وهي علاقة تبرز القوة الإيمانية والروحية، عند سموه، حيث يؤكد البيت الشعري متانتها، فهي لا تقتصر على فترة ما، أو مناسبة ما، وإنما هي علاقة مشروطة بدوام الزمن والحياة ذاتها. فوالله وجدي لاشِفا لرسيسه إلى حين يدنيني إليه وصولُ يمكن التوقف في هذا البيت الجميل، عند عبارة الوجد، هذا الوجد الذي لا شفا منه، وكلمة الرسيس، فهذا الوجد، وهذه العلاقة الروحية يصوغها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، بأناقة شعرية لافتة، يقترب معناها من هذا الوجد الذي لا تزال منه بقية، أو ذلك الوجد الذي لا تزال آثاره باقية، لا تمحى، وهذه البقية، وهذا الأثر تشير إليهما كلمة الرسيس، وهي صورة كما أسلفنا بالغة الأثر والدلالة. كلفت به وجدا وأتلف مهجتي وداد لمن نفسي إليه تؤولُ والكلف في هذا البيت، دلالة على شدة الحب والتوق إلى المحبوب، وهذا الحب، هو من تصبو إليه النفس وترنو منه الروح، فهو حب سرمدي لا تخالطه شائبة، ابتغاء لمرضاة الله عز وجل. نهاري نهار التالفين صبابة وليلي إذا عزّ الرجاء يطولُ في هذا البيت، الذي يؤكد على معاني الأبيات السابقة ويزيدها ألقاً هو تلك الإشارة على كلمة التلف، والتالفين في طلب الحب والصبابة والوجد حيث هي مفردات تفيد معنى التقرب إلى الذات الإلهية، التلف هنا، بمعنى الاستمرار والدوام في الحب وبلوغ شدته، وهو استمرار ودوام مرتبط بالرجاء من حيث هو سؤال وطلب وغاية في طلب العون واللطف. وهكذا يستمر سموه في هذه الأبيات الجميلة التي سطرها في بث مزيد من الصور الشعرية، التي تغلفها لغة بارعة ومتقنة في انتقاء عباراتها الموحية، وهي بلا شك، تعتبر من القصائد اللافتة. وما حُجتي عند السؤال وحاجتي وماذا إذا حان الجواب أقولُ وإني لا أدري بما الله فاعل إذا بان في آن الحساب ذهولُ سوى أنني أرجو نداه وجوده وأن يشمل العبد الفقير قبولُ صوفية المحبة وبلاغة الشعر يكتب صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي،رعاه الله، في قصيدته ابتهال إليكَ إلهي واحدة من أبلغ درجات الشعر في التضرّع لله عز وجل، مشرعاً نافذة نورانية على اللغة لتصبح القصيدة مشغولة بجمل محكمة من الابتهال، والدعاء، والرجاء، ومقدمًا حالة وجدانية صافية بين العبد وربه. ويمضي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في هذه الحالة المتسامية، مستجيباً لأجواء شهر رمضان المبارك، وما يفرضه من الهيبة والجلال على نفوس المؤمنين، فيفتح الباب واسعاً على علاقته بالله عز وجل، ويجعل من القصيدة صورة متعالية لتوصيف الخطاب الروحاني الذي يكتب عباراته بلغة صافية قائمة على التكثيف والصفو في بناء العبارة الشعرية. يستهل سموه القصيدة بقوله: إليكَ إلهي إنَّني لعجولُ/ وإنِّي لمولايَ الكريم سؤولُ، وقد جاءني عنه الحديثُ بأنهُ جوادٌ غفورٌ جاءَ عنهُ رَسولُ، فيرسم صورة لتضرعه في التقرّب لله عز وجل، إذ يلح في سؤال مغفرته، ورحمته، مبجّلاً حضور الله تعالى من خلال مفرداتمولاي الكريم، و جواد، غفور، فتخرج اللغة من فضائها المحكوم بالنص الشعري العادي، إلى مساحة مغايرة تعلو فيها مفردات العابد العارف بجلال الله وسعة رحمته. ويصف صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم شغفه وحبه لله تعالى في الثلاثة أبيات اللاحقة لاستهلال القصيدة، كاشفاً عن واحدة من أرفع صور العابد المتضرّع لله عز وجل، كما يظهر شوق سموه لعشق الله -جل في علاه- في الصور الشعرية التي يرسم فيها رجاءه للتقرّب إلى الله، فيقول إن رجاءه في التقرّب لا ينقطع، ولا يخبو، أو يتوقف، مقدّماً جماليات شروق الشمس وغروبها في وصف دوام رجائه، المتواصل ليلاً ونهاراً، بلا انقطاع. ويؤكد الصورة ذاتها بالاحتكام إلى رصانة المعنى، وبلاغة التوصيف، ودقة العبارة، فيقول: فوالله وجدي لاشفاً لِرسيسهِ، أي أن ما رسى في قلبه من حب وشغف لا شفاء منه، فهو راسخ، وثابت، في شغاف القلب. ويصف صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حاله في محبة الله ورجاء التقرّب إليه، بالاستناد إلى جماليات العبارة الشعرية القائمة على بناء الصور، وتمرير الحركة، واستحضار الشعور، فيقول: نهاري نهار التالفين صبابةً / وليلي إذا عزَّ الرَّجاءُ يطولُ، إليك إلهي لا لغيركَ مرجعي/ وإنِّي بما قد رابَني لخجولُ. تنكشف حالة سموه في الصور الشعرية التي يرسمها، فيكشف عن واحدة من حالات العاشق الراسخة في التراث العربي، والمتمثلة في التلف والصبابة نهاراً، وطول سهر المحب العاشق ليلاً، فلا تظهر صورة العاشق الشغوف بما كان من شأن الدنيا، وإنما برمزيتها الصوفية القائمة على الهيام في محبة الله عز وجل. ويؤكد سموه حالة شغفه بقوله: إليكَ إلهي لا لغيركَ مرجعي، ممتثلاً لسمات العابد المخلص في الحالة الروحانية الإسلامية. ويصل صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، إلى ختام ابتهاله، بالنظر إلى ما بعد الحياة، ولحظة الحساب، والوقوف بين يدي الله عز وجل، كاشفاً عن حجم الخشية، وطلب الرحمة، والمغفرة، وجلال الموقف بأكمله، فيقول: وما حُجَّتي عندَ السّؤالِ وحاجتي/ وماذا إذا حانَ الجوابُ أقولُ، وإنِّي لا أدري بما اللهُ فاعلٌ/إذا بانَ في آنِ الحسابِ ذهولُ، سوى أنَّني أرجو نداهُ وجودهُ/ وأنْ يشملِ العبدَ الفقيرَ قبولُ. يلجأ سموه إلى صيغة السؤال ليبين جلال اللحظة، وحجم تضرّعه، وطلبه لمغفرة الله عز وجل، معيداً خاتمة القصيدة كما بدأها، والمتمثلة في العبد المبتهل الطالب لجود الله، وصفاء محبته. وتنكشف أسلوبية سموه في بناء القصيدة منذ الاستهلال حتى الخاتمة، إذ تظهر قدرته على توظيف شكل من أشكال النداء في سياق التضرّع والتعبّد والرجاء لخطاب رحمة الله عز وجل. ليس ذلك وحسب فيظهر في القصيدة استناد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم إلى جماليات تقلبات الزمن، وارتباط ذلك في حالة العاشق، فيتوقف بجماليات عالية عند وصف الليل والنهار، وعند الشروق والغروب، فاتحاً أمام القصيدة باباً واسعاً للوصول إلى أعلى درجات الدلالة، فالسهر أبلغ صور العشق. ويذهب سموه عميقاً في نص قـصيـدتـه مـن حـديث اللغة الشعرية التي يبني فيها عباراته، إذ يتجلى قاموس المتصوّف العابد في توصيف محبة الله، وشغف الوصول إلى رحمته وجلال قدره، فتحضر مفردات الوجد، والكلف، والشوق، والصبابة، والتلف، وغيرها من المفردات التي تمثل درجات من عشق العبد لربه. المحرر الثقافي
مشاركة :