عندما تقدمت فرنسا بطلبها لاستضافة هذه البطولة الأوروبية، كان الشعار الذي تحمله الملصقات وقواعد التماثيل هو «كرة القدم كما تحبها». وهو شعار رياضي مناسب وبراق، ناهيك عن كونها – بالنسبة إلى أي شخص يحاول الهروب من حالة الانحلال الصارخ التي أصابت وسط مرسيليا مساء السبت - مصدر بعض من الضحك المرير في الظلام. في الأسبوع الماضي أعلن ميشال بلاتيني رئيس اليويفا السابق الموقوف، الذي كان من المنتظر أن تحمل الأسابيع القليلة القادمة بعض التكريم له، نيته أن يظل غائبا بشكل كبير عن المباريات. ربما كان لديه وجهة نظر. أغلق الباب يا ميشال، استنادا إلى الأدلة ليس فقط عن مرسيليا، بل كذلك عن المباراة الافتتاحية المتأرجحة، يمكن أن يكون ذلك لأربعة أسابيع طوال. لا شك أن الأيام الثلاثة الماضية كانت شاهدة على بداية قاتمة في «يورو 2016». وقد تحول الطقس في الشمال، مع هطول الأمطار في باريس، التي تظل في حل نوعا ما من هوس كرة القدم. كان عنوان الطبعة الأولى في صحيفة «لابروفينس»: «شبح يخيم على مرسيليا». وستستمر السحب الآن في مرسيليا مع فتح الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (يويفا) إجراءات تأديبية، ومراجعة جداول المباريات القادمة، مع عودة الخوف من الاعتقالات. كانت مرسيليا مكانا شديد الصخب والاهتياج في الساعات المبكرة من صباح الأحد، مع تجوال آلاف المشجعين والسائحين الخائفين في أنحاء المدينة التي بدا أنها تخلت عنهم بسهولة. وبدا أن رهانا عادلا بأن الدائرة الثامنة والنصف من الجحيم، تلك الدائرة التي فكر فيها «دانتي» بشكل غامض لكنه تغاضى عنها باعتبارها تافهة جدا وبلا معنى، بها قسم يمكنك أن تخوض فيه وسط الزجاج والقيء في الواحدة والنصف صباحا، بعد محطات المترو المغلقة، بينما الأطفال الذين يرتدون قمصان فريقهم المفضل يبكون ويتعثرون، فيما يبحث آباؤهم المرتعدون عن وسيلة نقل غير موجودة، ويتجهون نحو الشوارع الجانبية، في محاولة للبحث عن طرق للهروب من فورة العنف المفاجئة التي اشتعلت مرة أخرى خلال الليل. كان المترو يعمل، لكن المحطة الواقعة قرب الملعب لم تكن كذلك، ومن دون أي إرشاد على أقرب مكان لاستقلال المترو. كان سائقو سيارات الأجرة قد اختفوا، ولهم العذر في ذلك. لم تكن هناك حافلات تسير، أو على الأقل لم تظهر أي منها. دوت صافرات الإنذار وسط أعداد من الناس المتجهين إلى أعمال العنف في منطقة الميناء. لا يزال الكثير من المواطنين البريطانيين في المستشفى. وركزت صور نشرت على شبكات التواصل الاجتماعي على رجل تعرض للركل مرارا في الرأس وهو ملقى على الأرض. وعملت الشرطة على إنعاش الرجل صاحب الـ51 عاما، وفاقد الوعي، والذي يوحي شهود بأنه تعرض لهجوم ببلطة صغيرة. ومن خلال التجوال أثناء فترة ما بعد الظهيرة، بدا غريبا أن هناك مباراة كرة قدم توشك أن تبدأ فعليا، وسط كل هذه الأجواء، والإعلانات عن الخدمات المالية والمشروبات الكحولية وألعاب كومبيوتر. ما الذي نفهمه من هذا؟ سوف يقول البعض إنك تجني حصاد ما غرست، وأن تشعر بالشماتة تماما حيال مشهد القلة القليلة من المشجعين الإنجليز الذين يستمتعون بترهيب السكان المحليين، وهم يتلقون ضربة على مؤخرات أعناقهم. هنا واجه مشجعو إنجلترا الهائجون قوة أكثر اهتياجا، ممثلة في حشود الهوليغانز الروس الوحشيين. ومع هذا، فهذا لا يوصلنا إلى مغزى الأمر تماما. من الواضح جدا أن مجموعة من الرجال الروس العنيفين جاءوا إلى مرسيليا بفكرة مهاجمة المشجعين الإنجليز. كان القليل من الإنجليز هم من يتصرفون في واقع الأمر بخشونة وعنف. واستمتعت العصابات المحلية بدورها بالانتقام لنفسها في شوارع بلادها. لكن كل تلك الفصائل والمجموعات تمثل أقلية صغيرة تسمم الأجواء، ويحتاج المواطنون المحليون وآلاف الزائرين المسالمين للحماية المناسبة منهم، كما يحتاجون للحماية من النشالين واللصوص والمجرمين من كل نوع. كان هذا هو ما فشلت فيه المدينة الفرنسية والشرطة واليويفا وإدارة الملعب فشلا مزريا. لقد أعلن اليويفا أنه سيقوم الآن بـ«التحقيق» في العنف داخل الملعب. أول وقفة: كان هناك غياب من قبيل الإهمال للفواصل بين المجموعات الرئيسية من المشجعين داخل الملعب. لم يتسلق المشجعون الروس من أجل الوصول إلى القسم الخاص بمشجعي إنجلترا، بل كل ما فعلوه هو الركض في مكان خال. كان المشهد يضم قسمين من المدرجات محتشدين بجمهورين متناحرين. قبل انطلاق المباراة بقليل، كانت هناك صدمة بالنظر إلى أنه لم يكن يفصل بين الجانبين أي شيء سوى رواق. لقد بدا العنف أمرا محتوما. وليس هذا على الأقل لأن نفس الشيء حدث بالضبط قبل بضعة أسابيع قليلة في مباراة أخرى لليويفا على ملعب سانت جاكوب بارك في بازل، حيث لم يكن يفصل بين مشجعي ليفربول وإشبيلية في نهائي الدوري الأوروبي سوى مجموعة من المنظمين البطوليين الذين يرتدون سترات برتقالية اللون. وأيا من يكون المسؤول داخل اليويفا عن هذه الترتيبات، فقد فشل فشلا كارثيا. بات تعزيز الفصل بين الجمهورين متأخرا جدا الآن. وكان الإنذار واضحا. ربما كانت الأمور لتشهد منعطفا أسوأ من هذا. لقد أدى تقهقر المشجعين الإنجليز – وكثير منهم أناس في منتصف العمر أو عائلات بصحبة أطفال – أمام مهاجميهم الملثمين، أدى لاندفاع نحو السياج عند أبعد نقطة. انتهى المطاف بالمشجعين إلى القفز من فوق حاجز على أرض إسمنتية في الأسفل مسافة 10 أقدام. كان الآخرون يدفعون السياج، وكان الأطفال يتم حملهم ليعبروا السياج بأمان، وهو أمر مرعب ليس له نظير في الكرة الإنجليزية. بعد 10 دقائق وصلت الشرطة. على مسافة نصف كيلومتر، كان الجنود من تعزيزات شرطة مكافحة الشغب يجلسون متأهبين في مركباتهم. لقد كان هذا إخفاقا تنظيميا من كل الوجوه تقريبا. كان توقيت المباراة، مع كل الذكاء المتوفر، بمثابة كارثة. روسيا ضد إنجلترا: كان هو العنوان التلفزيوني الكبير لليوم. أراد البعد التجاري أن تقام المباراة في التاسعة مساء بتوقيت وسط أوروبا. كل هذا ناهيك عن آثار يوم كامل من التعثر حول الميناء، ثم محاولة إخلاء المكان في ساعات الصباح الأولى. يمكن أن تحدث الأشياء السيئة. إن مهمة السلطات ليست أن تقف في الخلف وتهز أكتافها، بل أن تتحرك استباقيا، وتسيطر وتحمي. كانت تكتيكات الشرطة غير مفيدة، حيث جمعت بين مسارين، عدم التدخل والتدخل المفرط في العنف. وكان شجار وقع بين الفرنسيين والإنجليز في حانة الملكة فيكتوريا يوم الخميس الماضي مؤشرا على التعجل باستخدام الغاز المسيل للدموع والكلاب البوليسية. ودون ذلك، كان أفراد شرطة مكافحة الشغب يقضون معظم وقتهم واقفين بجانب مركباتهم وينظرون بدناءة، في وقت كان عليهم أن يتدخلوا. من المرجح أن تتعرض روسيا لعقوبات من جانب اليويفا الآن بسبب الألعاب النارية، والعراك والهتافات العنصرية التي تحدثت عنها تقارير صحافية. والأكثر إثارة للقلق هو أن المشهد الذي يبدو وشيكا، عندما كان مشجعو إنجلترا وروسيا قريبين من بعضهم البعض في لانس وليل هذا الأسبوع. تواجه روسيا سلوفاكيا في ليل يوم الأربعاء. بينما تخوض إنجلترا مباراتها ضد ويلز في لانس في اليوم التالي. تفصل ساعتان ونصف الساعة بين الاثنين، مع التداخل الكبير في الفنادق والأماكن المشتركة. إن إمكانية وقوع مزيد من المشكلات واضحة جدا، وقد أوصى اليويفا مشجعي إنجلترا الذين لا يحملون التذاكر بمشاهدة المباريات عبر الشاشات الكبيرة في أماكن التشجيع (نفس الأماكن التي عبرت قوات الأمن عن مخاوفها بشأنها). أما من يحملون التذاكر فقد تلقوا إنذارا، وربما لا يكون ما حصل هو نهاية المشكلات. وبخلاف هذا، فإن السؤال الذي لا بد من طرحه هو ما إذا كانت روسيا مكانا مناسبا لكأس العالم 2018 من عدمه. لقد وضعنا جوزيف بلاتر وميشال بلاتيني في هذا الموقف. هذا هو إرثهما. وبالنسبة إلى المشجعين المسافرين، فإن الأمر يمكن أن يكون كارثة بالنسبة إلى الفيفا نفسه فعليا. وليس هذا فقط بسبب وحشية روابط المشجعين الروس (ألتراس)، لكن بسبب الإحساس بالتضامن والتجاهل، بل رد فعل المواقف، من جانب وسائل الإعلام الروسية وحتى مدرب الفريق، ليونيد سلوتسكي. بل إن فيتالي موتكو، وزير الرياضة وهو شخصية من نوع نادر، أنكر أن يكون المشجعون الروس اجتاحوا جنبات الملعب عند صافرة نهاية المباراة، وهو رد مضحك لكنه ليس غير مألوف تماما. هناك بعض الناس في فرنسا ممن سيتطلعون إلى الأسابيع الثلاثة والنصف القادمة، بإحساس مبكر بالملل من الضيوف. ولا بد لمرسيليا أن تجهز نفسها للاستمتاع بمباراة فرنسا وألبانيا، ثم بولندا وأوكرانيا، وهي مباراة يمكن أن تشهد حلقات رقص في الشوارع قبل وبعد المباراة. وفي نفس الوقت، فعند وصول الأدوار النهائية، ربما يكون الأفضل ببساطة أن نأخذ نفسا عميقا ونأمل في انفراجة مفاجئة تحول الاهتمام، بمشاهدة كرة قدم من طراز رفيع.
مشاركة :