حذّر رئيس وزراء بريطانيا الأسبق ونستون تشرشل في خطاب أواصر السلام الشهير في 15 مارس 1945 من غازيين منهكين يهددان العالم هما الحرب والاستبداد. وأعلن أن ستاراً حديدياً قد أسدل على أوروبا، مشدداً على ألا نتوقف مطلقاً عن المجاهرة وبلا خوف بالمبادئ العظيمة للحرية وحقوق الإنسان... ووصف حرية التعبير والديمقراطية وحكم القانون بأنها سندات ملكية الحرية. ويجدر بنا اليوم أن نستذكر كلمات قيلت في زمن غير زمن الحاضر الشاهد على حكم الأوتوقراطية والاستبداد، زمن يسدل فيه ستار من نوع آخر، يحرم معه الناس من أبسط سندات الملكية الأساسية. لم يعد الأمر اليوم متعلقاً بالشيوعية، بل بظهور طغاة يفرضون حكمهم بالقوة والإكراه، بدءاً بروسيا والصين، مروراً بالشرق الأوسط ووسط آسيا وأميركا اللاتينية وإفريقيا. أصبح هؤلاء القادة خلال العقد الماضي أكثر جرأة على إنشاء عالم مواز للنظام الديمقراطي الليبرالي، وقد برزت أثناء مرحلة البناء تلك هيمنة قوى الدولة، وتلاشت المنافسة السياسية، وأطيح بالمجتمع المدني، وقمعت حريات التعبير والاجتماع والمعتقد. ومن المدهش أن يستخدم بعض هؤلاء القادة، سيما روسيا والصين، القوة الناعمة المعقدة والمخادعة خارج حدود بلدانهم، التي يتبين أنها أكثر فاعليةً وثباتاً مما كانت عليه في الماضي. وتحتاج أميركا والديمقراطيات الأخرى في العالم لاستراتيجية مجابهة موجة التسلط الجديدة، بما في ذلك صيغ أسلحة القوة الناعمة الجديدة للقرن الحادي والعشرين، التي نجحت مع الغرب خلال الحرب الباردة. واتسم سجل الحكومة الأميركية في الآونة الأخيرة بالضعف، ولا بدّ أن تتصرف إزاء ما يحصل، بدلاً من تجنب القيام بأية تحرك. ويشكل العهد الرئاسي العتيد المزمع لحظة مواتية لإطلاق استراتيجية الدفاع عن الديمقراطية، وإلا فإن الحرية ستظل ماضية في طريق الانحسار.
مشاركة :