إبراهيم الملا (الشارقة) تعود أصالة وتفرد الأفكار والنظريات التي طرحها ابن سينا في مسيرته المتوازنة بين حقول الطب والفلسفة والشعر وعلم الفلك، إلى تلك الدافعية الذاتية التي اكتسبها مبكرا وهو ما زال في الثامنة عشر من عمره، عندما قرر التفرغ للنداءات المعرفية المستقلة المعتملة في دواخله، والمستندة على رصيد وافر من القراءات والدروس والتأملات حول الطبيعة وما وراءها، وحول الناسوت واللاهوت، والملاحظة والحدس، والتجربة والتنظير. قرر ابن سينا وهو في مرحلة النضوج تلك أن يتفرغ لبحوثه وكتاباته وكشوفاته، مستلهما الأفكار الجريئة للعقلانيين المسلمين، وغارفا من أطروحات أفلاطون وأرسطو والفارابي وأبوقراط وجالينوس، ومستفيدا من آراء المشتغلين بالمنطق والغيبيات. ولد أبو علي الحسين بن عبد الله بن سينا في مدينة أفشانه ببلاد فارس، سنة 980م، وتوفي في همدان سنة 1037م، ثم انتقل إلى بخارى وأخيراً إلى إصفهان، وعرف باسم الشيخ الرئيس، وسماه الغربيون بأمير الأطباء. ومن عوامل تطوره الفكري أيضاً، تمكنه من الإطلاع على موجودات المكتبة الغنية في قصر السمنديين، وهم أول عائلة حاكمة كبيرة من أصول محلية ظهرت في فارس بعد الفتح العربي لها. وقد سمح لابن سينا بدخول تلك المكتبة الهائلة بعد نجاحه في علاج الأمير نوح بن منصور السمندي من مرض عجز كل أطباء عصره المشهورين عن علاجه. وعندما بلغ العشرين من عمره توفي والده، فرحل إلى جرجان، وأقام بها مدة، وألف كتابه «القانون في الطب»، ولكنه ما لبث أن رحل إلى «همدان» فحقق شهرة كبيرة، وصار وزيرا للأمير شمس الدين البويهي، إلا أنه لم يطل به المقام بها. ففي عام 1022 توفي شمس الدين ليجد ابن سينا نفسه وسط محيط غير مريح. وتسبب موت راعيه في مرحلة من المصاعب بلغت ذروتها بسجنه، ولكنه استطاع أن يتسلل إلى أصفهان، مصحوباً بعدد من تلامذته وأعوانه واستقر فيها مدة 14 عاما، وفيها أنهى كتابه» القانون في الطب» كما أنهى أيضاً كتابه الشهير الآخر» كتاب الشفاء». ... المزيد
مشاركة :