أعرب الرئيس محمود عباس خلال لقائه الرئيس فلاديمير بوتين في موسكو أمس، عن أمله في أن تلعب روسيا دوراً مركزياً في التسوية في الشرق الأوسط. كما بحث مع المسؤولين الروس في تعميق التعاون في مجال الطاقة، خصوصاً لجهة مشروع استخراج غاز بقيمة بليون دولار في قطاع غزة. وأجرى عباس وبوتين جلسة محادثات مطولة في مقر إقامة الرئيس الروسي في ضواحي موسكو، قبل أن يلتقي رئيس الوزراء ديمتري مدفيديف. وتركز البحث على الجهود المبذولة لدفع عملية التسوية ومحاولات استئناف المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية، بالإضافة إلى الوضع في المنطقة عموماً، خصوصاً ما يتعلق بالشأن السوري. وسعى عباس إلى حض روسيا لتنشيط ديبلوماسيتها في الشأن الفلسطيني، وخاطب بوتين في بداية اللقاء مهنئاً بـ «النجاحات الكبيرة التي أحرزتها روسيا خلال الفترة الأخيرة على الساحة الدولية». وقال: «تغمرنا سعادة بالغة اليوم بأن نكون شهوداً على النجاحات السياسية التي تحققها روسيا هذه الأيام، وسعداء أيضاً بالثقل السياسي الذي تمتلكه روسيا وبدورها الفاعل كلاعب ناشط ومؤثر في المحافل الدولية». وأضاف إن التأثير الروسي برز بقوة في ملفات حساسة ومهمة، مثل الموضوع السوري والتحضيرات لمؤتمر «جنيف 2» وملف السلاح الكيماوي، بالإضافة إلى الملف النووي الإيراني والنجاح في التوصل إلى اتفاق يدفع الجهود لتسوية نهائية. وأعرب عن أمله في أن «تلعب روسيا دوراً مركزياً في ملف التسوية في الشرق الأوسط»، مذكراً بثقلها الدولي كعضو دائم في مجلس الأمن وفي المجموعة الرباعية الدولية المكلفة ملف الشرق الأوسط. وزاد: «يجب أن يكون لروسيا دور أساسي في عملية السلام بالشرق الأوسط لأسباب كثيرة، منها أن روسيا دولة عظمى وصديقة لها مصالحها ودورها في المنطقة». ومهّد بوتين للمحادثات بالإشارة إلى أن «العلاقات بين روسيا وفلسطين تقوم على أساس تاريخي متين». وأشار إلى توجه الطرفين إلى تعزيز التعاون في مجالات عدة، معتبراً أنه «ينبغي بذل المزيد لتطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين». وذكرت الدائرة الصحافية للكرملين أن المحادثات تركزت على القضايا الملحة للتعاون الثنائي، وأيضاً قضايا الأمن الإقليمي، بما في ذلك ملف التسوية. في الإطار ذاته، قال مدفيديف خلال استقباله عباس، إن روسيا «دعمت دائما الشعب الفلسطيني في سعيه إلى تعزيز أركان دولته»، وتعهد «مواصلة تقديم كل أشكال الدعم». ولفت خبراء روس إلى أن زيارة عباس ومحادثاته هدفت إلى الإفادة من الحضور الروسي القوي خلال العام الأخير على الساحة الدولية لتخفيف «تفرّد واشنطن بالسعي إلى تسوية على حساب الشعب الفلسطيني»، كما كتب معلق روسي، مشيراً إلى تصريحات أطلقها في موسكو عضو اللجنة المركزية مفوض العلاقات الدولية لحركة «فتح» نبيل شعث، الذي بدا متشائماً من إمكان التوصل إلى اتفاق إطار في شأن قضايا الحل النهائي مع إسرائيل خلال الأشهر الثلاثة المقبلة برعاية أميركية. وكان شعث قال في مؤتمر صحافي إن عباس سيناقش مع المسؤولين الروس في موسكو إمكان خلق إطار تفاوضي أوسع بين إسرائيل والدولة الفلسطينية تدخل ضمنه روسيا والدول الكبرى، ويلغي احتكار واشنطن الذي ثبت عدم نجاحه في رعاية المفاوضات، خصوصاً في ظل استمرار إسرائيل في التنصل من تنفيذ القرارات الأممية، بما فيها قرارات مدريد واتفاقات أوسلو و «خريطة الطريق». وتساءل شعث: «لماذا لا تمنح فرصة لروسيا التي أثبتت نجاحاً في الملفين السوري والإيراني كي تلعب دوراً إيجابياً في مسار المفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلي، وما المانع في أن يصبح التفاوض مع إسرائيل في إطار أممي؟»، منتقداً موقفي تل أبيب وواشنطن الرافض لتوسيع الرعاية الدولية للمسار السياسي في الشرق الأوسط. مشروع الغاز في هذه الاثناء، ذكرت وكالات الأنباء الروسية «إيتار-تاس»، أن مجموعة الغاز الروسية العملاقة «غازبروم» تعتزم استخراج الغاز من حقل في البحر المتوسط عائد لقطاع غزة في إطار مشروع بقيمة بليون دولار يجري بحثه مع الفلسطينيين، مضيفة أن احتياطات هذا الحقل تقدر بـ 30 بليون متر مكعب من الغاز، بحسب وثائق تمت دراستها أثناء اللقاء بين عباس وبوتين. وتدرس الشركة الروسية الحكومية «تكنوبروم إكسبورت» مشروع استغلال حقل نفطي قرب رام الله في الضفة الغربية، بحسب هذه الوثائق. ولم يصدر أي توضيح عن تقدم المفاوضات المتعلقة بهذه المشاريع. وإضافة إلى الموارد الطبيعية، تعتزم روسيا والفلسطينيون أيضاً تعزيز تعاونهم في الزراعة والسياحة والاستثمارات. كما اجتمع عباس مع رئيس الجمعية الفلسطينية الأرثوذكسية الإمبراطورية سيرغي ستيباشين، وبحث معه في مسألة افتتاح أول مدرسة روسية في بيت لحم بحلول 1 أيلول (سبتمبر) المقبل. وأوضح ستيباشين للصحافيين عقب اللقاء الذي عقد في مقر الجمعية في موسكو، أن «الرئيس عباس طلب أن يكون هناك عدد أكبر من المدارس»، مذكراً بأنه كان هناك نحو 100 مدرسة روسية في بيت لحم عام 1917. وأشار إلى أنه سيتم افتتاح مركز روسي متعدد الوظائف في بيت لحم بعد عام، وسيكون من أكبر المراكز الروسية في الشرق الأوسط، وأن مجمع سيرغي الكنسي سيفتتح في القدس عام 2015، وذكر أن نحو 450 ألف حاج روسي زاروا فلسطين عام 2013. يذكر أن الجمعية الفلسطينية الأرثوذكسية الإمبراطورية تأسست عام 1882 بمرسوم من الإمبراطور ألكسندر الثالث، ومن أهدافها الرئيسة تنظيم رحلات للحجاج الروس إلى المقدسات في فلسطين، ودعم الكنيسة الروسية في خدمتها بالخارج، ودراسة التراث التاريخي للأراضي المقدسة. وكان عباس وصل مساء أول من أمس إلى موسكو في زيارة تستغرق أربعة أيام يلتقي خلالها القيادات السياسية والدينية الروسية.
مشاركة :