في دراسة موضوعية موثقة يقرأ د. عمر العمري استاذ التاريخ في جامعة اليرموك مواقف الملك المؤسس عبدالله بن الحسين من مشاريع التسوية الفلسطينية بم اتسمت هذه المواقف والاجتهادات وهل كانت واقعية في ظرف كان العرب فيه عاجزين عن مواجهة الخطر الصهيوني الامبريالي. صدر هذا الكتاب العام 2016 عن دار الخليج للنشر والتوزيع/ عمان. في البداية اقول لو قبل العرب والفلسطينيون بآراء اللك المؤسس لما كان حالنا على هذا النحو. اعتداله وعقلانيته في التعامل مع القضية الفلسطينية وجنوحه الى اجتراح حل سلمي لها منذ البداية كان يمكن في اعتقادي ان يخلق واقعاً على الارض غير هذا الواقع المأساوي الذي يعيشه الفلسطينيون اليوم. يقول د. عمرالعمري في كتابه: لقد سعى الملك عبدالله الى ايجاد حل سلمي معقول في ضوء الواقع والممكن لهذه القضية يضع الحقوق الفلسطينية على اساس الحل المرحلي المؤقت وسياسة خذ وطالب. ص 11 تجنٍّ كثير على هذه الشخصية العربية وقع من قبل بعض العرب الذين لم يقرأوا الواقع العربي البائس آنذاك قراءة واقعية. وحده الملك المؤسس قرأه بواقعية. رأى الملك عبدالله ان استمرار العرب في سلك سياسة سلبية تجاه اي حل او مشروع يطرح لحل القضية الفلسطينية دون طرح حل بديل او تقديم مقترحات عامل رئيس من عوامل اضاعة فلسطين ص 11. وبعد وعد بلفور وفي محادثاته مع تشرتشل في القدس 1921 احتج الامير عبدالله على هذا الوعد قائلاً: نحن لا نستطيع ان نرضى بفناء اهل فلسطين من اجل يهود العالم. ص 15. انطلق الملك المؤسس من ثوابت الثورة العربية الكبرى التي كانت تهدف الى وحدة العرب وتحررهم. لم يترك ناسبة حين كان اميراً ثم ملكاً إلا وحاول حل القضية حلاً سلمياً، ولكن الحكومة البريطانية كانت منحازة بالكامل الى المشروع الصهيوني الهادف الى اقامة دولة يهودية على ارض فلسطين. وبالرغم من الضغوط البريطانية على الملك عبدالله للقبول بدولة يهودية فقد ظل رافضاً لذلك فقد نادى في الاربعينات باعطاء اليهود (ادارة لا مركزية) في المناطق التي يشكلون فيها اغلبية ظاهرة في فلسطين ضمن دولة عربية فلسطينية بحيث يتمتعون بحق المواطنة لهم ما للعرب وعليهم ما على العرب ص 200. لكن بريطانيا والصهيونية رفضتا ذلك. وفي مساء 29 تشرين الثاني 1947 عقدت الجمعية العامة للأمم المتحدة جلسة خاصة طرحت فيها مشروع التقسيم للتصويت حيث اقرته بأغلبية 33 صوتاً ومعارضة 13 صوتاً وامتناع 10 دول عن التصويت وقد حمل هذا المشروع قرار رقم (181). لم ترض دول الجامعة العربية بقرار التقسيم بل استنكرته. ومع ذلك سارع الملك المؤسس رغم قناعاته الحكيمة الأخرى، لتأييد الجامعة حرصاً على الاجماع العربي. وكان ان خيضت الحرب بعد انهاء بريطانيا انتدابها على فلسطين. والنتيجة هي ما نعلمه كلنا اليوم. ضاعت معظم فلسطين آنذاك. اما المفارقة فهي اعتراف جميع الدول العربية بقرار التقسيم بعد فوات الآوان وهي التي رفضته قبل الحرب! أتساءل بدوري وكما تساءل مؤلف الكتاب: الم تكن دعوة الملك عبدالله العرب عامة والفلسطينيين خاصة للقبول بقرار التقسيم تدل على نظرة واقعية في ضوء التمزق العربي ووقوع معظم البلدان العربية آنذاك تحت الهيمنة الاستعمارية؟ ألم يكن بالامكان لو تم قبول قرار التقسيم آنذاك الا يكون حالنا كما نعيشه اليوم؟ ومما هو جدير بالذكر ان اجتهادات الملك المؤسس لم تكن الزامية للمسؤولين العرب والفلسطينين خاصة- وكما يشير المؤلف- كانت على سبيل النصح. ص 240. وحقاً ما يقوله مؤلف الكتاب من ان سلوك العرب سياسة سلبية تجاه الحلول التي طرحت لحل القضية الفلسطينية كان خطأً جسيماً ص 242. قلت ان هذا الملك كان واقعياً، ومع ذلك فقد اعلن التزامه بالاجماع العربي الرافض للتقسيم والدليل على ذلك انه كان اول رئيس دولة عربية يتخذ قراراً بادخال قواته العسكرية الى فلسطين لانقاذها من الصهيونية. هذا الموقف الواقعي للملك عبدالله وقبل خوض الجيوش العربية الحرب في فلسطين أثار اتهامات بالخيانة والتآمر من قبل اصحاب النظرة الضيقة الذين لم يحسنوا تقديرهم للأمور اذ اعطت المشاريع التي طرحت فيما بعد لليهود أضعاف ما اعطي لهم في المشاريع السابقة وما أُعطي للعرب اقل بكثير مما اُعطي لهم في هذا المشروع. ص 220. يبقى ان اقول ما اشبه ظرف حرب 1948 بحرب 1967 فالمغفور له الملك الحسين بن طلال دخل هذه الحرب وهو يعلم ان الوضع العربي هش، دخلها كما دخل جده –رحمه الله- حفاظاً على الاجماع. ليتنا اخذنا بحكمة هذين الراحلين الكبيرين! اختم بهذه الحكاية اوردها جمعة حماد –رحمه الله- احد عُمُد الصحافة في فلسطين والاردن يرويها عن جلسة جمعته بعد نكبة فلسطين الاولى 1948 مع الصحفي الفلسطيني الكبير والشيوعي السابق مخلص عمرو يقول جمعة حماد في كتابه قصتي مع الصحافة معرفتي بمخلص عمرو زادت مع الايام كان استاذاً واسع الآفق. سألته عن رأيه فيما يجري فقال: الافضل ان نقبل بالتقسيم ونحاول ان نحسن اوضاعنا بعد ذلك! لقد فاجأني وفجعني بهذا الجواب الغريب على امثالي. فقلت له كيف نترك هذا الجزء الكبير من ارضنا المقدسة حصة لليهود؟ فقال ان الجيوش العربية –فيما اظن- ستدخل ولكن التدخل الدولي سيوقفها عند حدود التقسيم المعروفة وسنُجبر نحن ان نقبل بذلك. ويضيف جمعة حماد: لكن لم يعجبني هذا الكلام وقلت: هذا الشيوعي لا يهمه ان يتنازل عن ارض مقدسة، ولم يمض عام واحد حتى قفز اليهود على مساحات اكبر من رقعتهم. وفي لقاء آخر وحين صار مخلص عمرو مديراً للتعليم في غزة اعتذرت اليه عن جهلي الذي كان، فابتسم وهو يقول: لست انت وحدك في هذا الرفض. المرجع السابق ص 16. يبقى ان اقول مع الزجال الراحل داود القواسمة الذي كان حاضراً: يا خسارتك يا فلسطين! robroy0232@yahoo.com
مشاركة :