النقاش أدناه دار افتراضيا بين اثنين من المغتربين - ( م) و (ض) - وهما يحتسيان فناجين الاسبريسو ... أو ربما في ضمير مثقف عربي معاصر ض: مأساة ما حدث بالأمس في أورلاندو، كيف لشخص أن يرتكب جرما بمثل تلك البشاعة؟ لا شك أن الفاعل مختل عقليا، ألا تتفق معي؟ م: بالفعل، لا شيء يمكن أن يبرر قتل المدنيين الأبرياء ض: ماذا تقصد بقولك؟ هل تُلمّح الى عملية تل أبيب الأخيرة؟ ذاك فعل مقاومة مشروع وشجاع ضد المحتل، أم تراك قد صرت محابيا للصهاينة مثل أمين معلوف؟ م: مهلا! ألست من قراء معلوف المخلصين؟ لطالما امتدحت أعماله أمامي، بل كنت تقول أنه كاتبك المفضل، ما الذي جد عليك؟ ض: ما جد هو ظهوره في حوار تلفزيوني على قناة صهيونية، ألم تسمع أو تقرأ عن الأمر؟ م: نعم قرأت، مواقع التواصل تضج بردود الأفعال الغاضبة بين رافض ومؤيد، الغريب أن لا أحد اكترث بالحديث عما قاله معلوف في الحوار ض: لا يهم ما قاله، ما فعله جريمة لا تغتفر، مجرد قبوله التحاور مع العدو هو دعوة صريحة للتطبيع مع الكيان الصهيوني م: تعني اسرائيل؟ ض: لا أصدق أنك قد تلفظت باسمها اللعين، هل صرت من المروّجين للتطبيع مع الصهاينة أنت الآخر؟ م: قبل أيام قليلة فقط كنت أبحث عن أصل المفردة في المعاجم، التعريف الوحيد الذي وجدته نص على أن التطبيع هو تبادل للبعثات الدبلوماسية بين الدول بعد قطيعة، فبذلك يمكن اعتبار مصر والأردن دولتين مطبعتين مع اسرائيل، لكن ما فعله معلوف لا يندرج تحت ذات المسمى ض: هل تتعمّد استفزازي بتكرار الاسم أمامي؟ م: كلا، لم أقصد الاستفزاز أبدا، أنت تعلم أني أفضل النقاش الهادئ فهو أجدى وأكثر نفعا للمتحاورين، كل ما هنالك أن تسمية الكيان الصهيوني بنظري ليست دقيقة فما نتحدث عنه يضم الافا كثيرة من العرب وعددا لا بأس به من الافراد الذين لا يمتّون للصهيونية بصلة، ثم أن لفظي لكلمة اسرائيل لا يعني أني من مؤيدي سياسييها وممارساتها التعسفية ضد الفلسطينيين بأي حال من الأحوال ض: لقد صدق ظني فيك، أنت من دعاة التطبيع كأمين معلوف م: دعنا من أمين معلوف الآن فلست بصدد محاكمة نوايا الآخرين رجما بالغيب، لكن لو شئت الحقيقة، لا أرى في المقاطعة الثقافية نصرا أو فضيلة، أن ترفض النقاش يعني أن موقفك ضعيف وحجتك واهية، لطالما استفزتني مقاطعة المثقفين العرب للنتاج الفني والفكري الاسرائيلي الداعم لحقوق الفلسطينيين بحجة رفض التطبيع مع العدو، هم بذلك يلحقون المزيد من الأذى بالمظلوم ولا يضرون الظالم بشيء، عندما يتاح لصاحب القضية العادلة منبر للتعبير عن رأيه والدفاع عنه ينبغي عليه أن يغتنم الفرصة بلا تردد ض: هل انت ساذج لهذه الدرجة؟ ألا ترى أن الأصوات الأسرائيلية، أقصد الصهيونية، المعارضة هدفها الوحيد تزييف الحقيقة واظهار العدو ككيان ديمقراطي مُتحضّر أمام العالم؟ م: ممتاز، ها قد جاءتك الفرصة اذا على طبق من ذهب، فلتستغل الهدف المُبطّن للعدو لمصلحتك ومصلحة من تدافع عنه وما تؤمن به ض: كف عن ترديد الهراء! أجزم أنك لو تلقيت دعوة مماثلة لهرولت نحوها فمن الواضح أنك لا تختلف عن ذلك المعلوف محدود الموهبة الذي رد جميل قارئيه من العرب بطعنهم بخنجر مسموم في ظهورهم بعد أن صنعوا له اسما عالميا م: ما سر اصرارك على الحديث عن أمين معلوف؟ ألا ترى أننا نناقش المبدأ بالمطلق هنا؟ لكن طالما أنك قد فعلت، فأنت تعلم بلا شك أنه لم ينكر أصوله يوما أو يتبرأ منها رغم أن شهرته العالمية لم تتحقق الا بعد هجرته الى فرنسا التي كتب معظم نتاجه بلغتها ض: بالتأكيد فالانتهازية واغتنام الفرص لتحقيق المال والشهرة على حساب المبادئ ليسا غريبين عنه، لو كان ملتزما، يقظ الضمير لاحترم على الأقل أن بلده في حالة حرب مع الصهاينة م: عذرا لما سأقوله، لكنك تناقض نفسك، ألم تكن من ابتدأ الحديث بادانة الهجوم على مربع للمثليين في أورلاندو؟ ألا تعلم أن بلادنا تجرّم المثلية؟ وفق منطقك، يتحتم علينا أن نعاديهم ونعادي الملحدين أيضا بالتبعية، أليس كذلك؟ ثم هل لك أن تخبرني بما دفعنا اذا الى الهجرة واللجوء الى أصقاع العالم البعيدة؟ أليس غياب حقوق الانسان في بلداننا؟ مواقف الدول الرسمية وغير الرسمية لا تلزمني يا صديقي كما أن موقف لبنان لا يلزم معلوف ما لم يختر طوعا أن يتبناه، يضاف الى ذلك أن الرجل يحمل الجنسية الفرنسية منذ عقود كما صرنا نحن حملة جنسيات أخرى، اضطرارا لا ترفا كما تعلم ض: لا يمكن تفسير ما فعله سوى أنه محاولة مثيرة للاشمئزاز لمغازلة لجان منح الجوائز الأدبية العالمية الخاضعة لنفوذ اللوبيات الصهيونية، يبدو أن عينه على جائزة نوبل هذه المرة م: أرجو ألا تستغرق في نظرية المؤامرة فمعلوف حاصل على تكريم غير مسبوق قبل أن يجري حواره الأدبي الذي أثار غضبك كما ان حماسة كاتب مثل علي سالم لما تسميه بالتطبيع مع اسرائيل لم تعد عليه بترشيحات الى نوبل أو سواها من الجوائز المرموقة، دعني أسألك: ألا ترى أن القمع والتلويح بالتخوين الذي تمارسه فئة بعينها من المثقفين العرب ضد كل رأي أو فكر معارض لها لا يختلف في جوهره عن تأثير اللوبيات الصهيونية التي ذكرتها؟ ض: يا لحرية الفكر والتعبير التي تتشدق بها أنت وسواك من المتخاذلين ليل نهار، كم من خزي وفضائح تُخبّئ قبعتها السحرية م: كثير جدا، فذلك هو حال القيم العظمى دائما، تماما كشعارات الجهاد والمقاومة وتحرير القدس التي يتغنى بها طغاة وفنانون وأدباء لا يعنيهم من أمر فلسطين ومعاناة أهلها سوى المنافع التي تعود عليهم من ابتزاز مشاعر البسطاء، كم من قلم كاتب قومي وصوت اعلامي عروبي شهدنا تنقّلهم بلا خجل بين المواقف كما تتنقل المومس بين أحضان زبائنها من الرجال؟ ض: بل أنت العاهر المتخاذل الانهزامي، ما كان عليّ أن أضيع وقتي بالجدال مع جبان مثلك، فلتبق حيث أنت يلطّخك وحل الاستسلام والخيانة! م: هلا هدأت قليلا ريثما نبحث عن نص مقابلة أمين معلوف كي نفهم ما ورد فيها أولا ثم نصدر أحكامنا عليه؟ ض: فلتذهبا الى الجحيم أنتما معا غادر (ض) المقهى غاضبا فيما طلب (م) فنجان اسبريسو آخر احتساه وهو يحاول العثور على نص مترجم الى العربية أو حتى الانكليزية عن الفرنسية التي جرت بها المقابلة والتي لم تكن علاقة (م) بها تتجاوز ما تعلمه خلال بضع دورات التحق بها في المعهد الفرنسي عندما كان لا يزال يعيش في بلده الذي تنازعته الولاءات السياسية والطائفية لاحقا حتى صار ساحة قتال مستعر تتراكم الجثث فيها وتتعفن الأشلاء ... المفارقة أن جميع المتحاربين كانوا ولا زالوا يرددون شعارات تحرير فلسطين من الكيان الصهيوني الغاصب ورفض التطبيع معه
مشاركة :