استقبل معالي وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد الشيخ صالح بن عبدالعزيز بن محمد آل الشيخ, في مكتب معاليه بالوزارة أمس، صاحب السمو الأمير الدكتور بندر بن سلمان بن محمد رئيس لجنة الدعوة في إفريقيا، وأصحاب الفضيلة أعضاء اللجنة من العلماء والدعاة . وفي بداية الاستقبال، وجّه معالي الوزير الشيخ صالح آل الشيخ, كلمة للحاضرين استهلها بحمد الله، والثناء عليه، والصلاة والسلام على رسول الله، ثم سجل معاليه للجنة النجاح في الاستمرار في هذا العمل العظيم، وهو التواصل مع علماء إفريقيا، والدعاة، والمؤثرين في نشر الدعوة الإسلامية، وقال: لاشك أننا اليوم في تحد كبير ومشكلات كثيرة تتعلق بنشر الدعوة الإسلامية، وتتصل بحماية جناب هذا الدين، والحفاظ عليه في نفوس الناس، منوها بجهود هذه اللجنة المباركة منذ نشأتها وإلى اليوم في استمرار، واطراد، وتأثير في العمل الإسلامي في إفريقيا ، سائلاً الله ــ جل وعلا ــ للقائمين عليها التوفيق، والسداد، وأن ييسر لهم الخير أينما كانوا. وتطلع معاليه إلى أن يكون الاجتماع السنوي مع الموضوع المهم وهو الانحراف الفكري ناجحاً كسابقيه ــ بإذن الله ـــ ، وقال : إن الفكر يطلق تارة ويراد به ما تنتجه الأفكار من مفاهيم ورؤى حول علاج الأمور، وعلاج المشكلات وإبراز الإيجابيات وإظهارها والعمل معاً نحو هدف معين، وهذا موضوع جزئي مع أهميته بهذا المفهوم، ويطلق الفكر أيضاً اليوم بعموم المقال، ويراد به الوسائل العقلية المختلفة للوصول لحقيقة هذا التشريع الإسلامي، وحقيقة العقيدة الإسلامية، ومبادئ الدين الإسلامي لذلك هناك اتصال بهذا المعنى بين العلم والفكر، الفكر يستخدم تارة بمحض عقل الناس، وتارة يستخدم خادماً للعلم، إذا كانت الأمور الفكرية في تعاطياتها خادمة للعلم هذه محمودة، ومن هنا جاء عنوان لقاء لجنة الدعوة في إفريقيا في هذه السنة. وشدد معاليه على أن الأمة الإسلامية بحاجة إلى إصلاح العقل الذي به نفكر، وبه نصل إلى النتائج السليمة في العلم والعمل، مؤكدا أن إصلاح العقل مهمة عظيمة وكبيره جداً وله أولويات، إصلاح العقل العلمي، إصلاح العقل السلوكي، إصلاح العقل السياسي، إصلاح العقل الاجتماعي، إصلاح العقل القَبَلي، إصلاح العقل يكون بإصلاح الفكر، وإذا صلح العقل صلح الفكر أيضاً؛ فهي متلازمة مهمة جداً في أن المفكرين والعقلاء يستفيدون من العلم الشرعي وأصوله، وقواعده، وأدلته التفصيلية في إصلاح العقل الإسلامي . وأبان معالي الوزير الشيخ صالح آل الشيخ أن المسلم، طالب العلم، الداعية أمامه صورة كبيرة جداً فيها مشاهد مختلفة، يحار معها، فهل يركز على صورة واحدة، وعلى جانب واحد، أم يتعاطى مع أكثر من جانب؟ هناك من يَضيع بينها، ويصيبه اليأس، وهناك من يركز على واحدة ويُضيع الأخرى، والسبب يرجع إلى عاملين، عامل عقلي، والعامل الآخر نفسي، أما العامل النفسي فهو ضعف الإيمان الحقيقي بالله، الإيمان الذي يجعل الإنسان عنده عزيمة مثل عزيمة صحابة رسول الله ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ وهم في مكة المكرمة، والمدينة المنورة في بيوت طين وينظرون إلى ميراث كسرى وميراث قيصر, هذه العزيمة لا تكون إلا بإيمان راسخ، ولا تكون سليمة إلا بعلم واضح، لذلك صارت لدينا ثلاثية صعبة الإيمان الكامل الصحيح الخالص المقتضى فيه السنة بتوحيد وإخلاص واتباع، الإيمان القوي في النفوس ثم إرادة، الإرادة التي تنتج من هذا الإيمان، والثاني العلم المهم الذي يختلف به الناس، تمضي به في الناس، سلاح قوي وحجه يقينية معك، في لسانك، في قلبك، تقولها وتبلغها وتكون واضحة للناس , والثالث أن يكون هناك عقل سليم للتعاطي مع ما تواجهه: ( إيمان، وعلم، وعقل ) إذا وجد العلم والسلوك ضعيف، والإيمان ضعيف، والتقوى ضعيفة يحصل خلل كبير في التأثير وخلل كبير في التعاطي مع الأمور، وأيضا توفيق الله ــ جل وعلا ــ يتنزل على الصادقين من عباده : «إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون» , كما قال تعالى : « ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقي » ، مع الصادقين ، الصدق في الإيمان. وأفاد معاليه أن العلم واسع، نتعلمه، لكن نحتاج في الحياة إلى عقل سليم ، عقل راسخ، وهنا يأتي دور المؤثرين في الدعوة الإسلامية في كيف يكون عندهم هذا العقل الذي هو فطري، ولكنه ينمو، جاء في الحديث الصحيح أن النبي ــ صلى الله وعليه وسلم ـــ قال : (إنما العلم بالتعلم وإنما الحلم بالتحلم)، الحلم إحدى صفات العقل الجميلة العظيمة ، وإنما الحلم بالتحلم (ومن يتحر الخير يعطه ومن يتوق الشر يوقه) إذا تحريت الخير أعطاك الله الخير ، تحر الخير في نفع الناس، في التفكير، في الوصول، في نهضة الأمة ، في قوة الإسلام والمسلمين، في قوة أهل السنة والجماعة، في الرد على أهل البدع والضلال الذين يريدون شراً للأمة، كل هذا يحصل بالتعلم ، بالتدرب تتقدم، تحرص، تصل إلى ما تريد . ومضى معاليه، يقول: وهنا يأتي أهمية إصلاح العقل، ولذلك جزء من إصلاح الفكر الإسلامي إصلاح العقل الإسلامي، فبعض الذين يعملون في مجال الدعوة الإسلامية لديهم مشكلة ألا مجال لأن نبدع ، يعني ليس بالإمكان أبدع مما كان، فالذي في فئة، في جماعة يتبع دائرة ما هو في إطار جماعته، والذي في مجموعة يتبع دائرة مجموعته، ويكون عقله الجماعي يقضي على عقله الخاص، هذه إشكالية كبيرة في ذهاب القدرات، قدرات كثيرة كان من الممكن أن تنهض بالأمة ضاعت في الأطر المختلفة التي تضعف الإبداع في الدعوة الإسلامية، لذلك كان من إصلاح العقل الإسلامي، إصلاح هذه الأطر التي تعمل لصالح الدعوة الإسلامية. ودعا معاليه إلى عدم تكرار الذات، وقال : كوننا نكرر أنفسنا مائة سنة، خمسين سنة، ثلاثين سنة هذا لا يجوز، المشاكل تتكرر بنفس التفكير، الله ــ جل وعلا ــ علمنا في القرآن أن الأنبياء رسالتهم واحدة ، كلهم يدعو إلى عبادة الله، وإلى التوحيد، كما قال تعالى: «اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت»، لكن هل الأنبياء في وسائلهم متفقون؟ ـــ لا ـــ إبراهيم ــ عليه السلام ــ مثلا، كان محاوراً حاور الملك ، وحاور أباه ، وحاور قومه ...إلى آخره، كما قال الله ـــ جل وعلا ــ «وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناما آلهة إني أراك وقومك في ضلال مبين»، ثم ناظر على توحيد الله ـــ جل وعلا ـــ بالمشاهد الكونية مثلما ناظر النمرود، لما قال: أنا أحيي وأميت، ناظر وناظر، وحاور أباه «يا أبتي إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا»، نوح ـــ عليه السلام ـــ : « قال ربي إني دعوت قومي ليلا ونهارا فلم يزدهم دعائي إلا فرار »، دعاهم سرا وجهارا، وليلا ونهارا، عمل له ألف طريقة، وفي النهاية ألف سنة إلا خمسين عاما، ما آمن معه إلا قليل، لكن الوسيلة مختلفة، وسيلة شعيب ـــ عليه السلام ــ المسمى عند العلماء بخطيب الأنبياء، وكان يركز ـــ بعد التوحيد، وذكره، وبيانه ــــ على تطفيف الكيل والميزان ، بعد الأصول، ركز على المشكلة الأساسية عندهم ، و« يا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين»، وسيلة موسى ـــ عليه السلام ـــ بشيء ، وعيسى ـــ عليه السلام ـــ بشيء، ثم جمعها كلها محمد بن عبدالله ــ عليه الصلاة والسلام ـــ. لذلك هنا نقول: إن من إصلاح التفكير، ومن إصلاح العقل، النظر الحر في كل الجهود المبذولة في نشر الدعوة الإسلامية ، فلا يصلح الآن والأمم تجتمع علينا أن نبقى في نفس الدائرة، لا بد من النظر إلى تفكير علمي بطريقة منهجية في إصلاح الفكر.
مشاركة :