بغض النظر عن الآراء التي طرحها الشيخ صالح المغامسي وقبله بسنوات الشيخ عادل الكلباني حول الموسيقى والغناء فإن مجرد طرحها يعد تحولا غير مسبوق في التفكير الديني في السعودية، وقد سبقهما إلى الخوض بجرأة وشجاعة علمية غير معتادة عدد غير قليل من العلماء والمشايخ، حركوا عقولهم وطوعوا النصوص للدراسة الجادة والتفكير العميق للوصول إلى نتائج مختلفة، ولم يقبلوا أن تكون النصوص جامدة أو مجمدة عصية على التحليل والتفسير غامضة لدرجة القبول بها دون فهم، ولم يستخدموا الأدلة لمحاولة إثبات قناعات غير واقعية، كما لم يصادقوا على صحة أدلة ظلت لسنوات طويلة يستدل بها في غير موضوعاتها. تحسب لهم شجاعة علمية خوضهم في مسائل كان الخوض فيها إلى وقت قريب محرما، أو أقرب ما يكون إلى الحظر الدائم ومنها الحجاب والاختلاط والسفر دون محرم خاصة في الطائرات والقطارات والنقل الجماعي، وقيادة المرأة للسيارة والموسيقى. موضوعات كان الاقتراب منها قيد أنملة يعرض من يجرؤ على ذلك للنبذ والطرد، والبراءة منه إلى يوم الدين، وكانت أمور وضعت في خانة المحظورات وصارت حاليا واقعا حتميا مثل التصوير وعمل المرأة وبطاقة الأحوال المدنية للنساء، وأذكر في وقت سابق أن بعض الرجال كانوا يطالبون بإعفائهم من وضع صورهم على بطاقات الأحوال ولا أدري هل هذا الأمر موجود إلى وقتنا الحاضر أم لا! الفكر التنويري للمشايخ السعوديين وإن كان محدودا لكنه غير بعض الأمور الخاطئة خاصة تلك المرتبطة بالعادات والتقاليد أو الفكر المتشدد، وساعد الحكومة في تطبيق كثير من الإجراءات وخاصة الأمنية، أو ماله صلة بالتنمية مثل التعليم والعمل والمعاملات البنكية، ولا شك أنهم قد دفعوا ضريبة جرأتهم بتعرضهم للسب والشتم والقذف والاتهامات الجائرة من بعض السفهاء والأتباع من المؤدلجين، أو من مشايخ الضد! التوجه التنويري لا بد أن يحظى بالدعم ومواصلة المشوار وخاصة في هذه المرحلة فكثير من المسائل تحتاج لإيضاح وتجلية، ولن يفيد في تناولها سوى فقه الواقع المتبصر فيما عليه الناس ومشكلاتهم الحالية، والنصوص التي تتنزل عليهم في واقعهم لا أن تطبق نصوص لا تتماشى مع هذا الزمن، حيث برزت قضايا جديدة لم تكن موجودة في الماضي.
مشاركة :