نصائح لاتفاقية الشراكة التجارية والاستثمار عبر الأطلسي

  • 6/16/2016
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

قبل ثلاث سنوات، أطلقت الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي مفاوضات تتعلق باتفاقية الشراكة التجارية والاستثمار عبر الأطلسي مع الوعد بإكمالها باستخدام خزان واحد من الوقود، ولكن يبدو أن الوقود قد نفد وتعثرت المفاوضات مع وجود انتقادات من كلا الطرفين، علماً بأن النافذة السياسة لإمكانية التوصل لاتفاق تغلق بسرعة. إن عوائق مفاوضات اتفاقية الشراكة التجارية والاستثمار عبر الأطلسي لا تقتصر على تلك الاتفاقية، فهي تعكس توجهاً أوسع يستوجب إعادة التفكير بشكل أساسي بالمقاربة السائدة في ما يتعلق باتفاقيات التجارة والتجارة الحرة. وليس سراً أن ردة الفعل السلبية ضد تلك الاتفاقيات قد اكتسبت زخماً في السنوات الأخيرة، ففي الولايات المتحدة الأمريكية عبر المرشحان المفترضان للانتخابات الرئاسية، هيلاري كلينتون من الحزب الديمقراطي، ودونالد ترامب من الحزب الجمهوري، عن آراء معادية للتجارة، حيث توقع ترامب تبني مقاربة تجارية لم يشهد لها مثيل في المشهد السياسي الأمريكي التقليدي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، كما يبدو أنه من غير المرجح على نحو متصاعد أن تحصل اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي التي تم التفاوض بشأنها مع 11 دولة أخرى من الدول المطلة على المحيط الهادي، على دعم الكونغرس. إن السياسيين في أوروبا يتبعون الناخبين في الانقلاب ضد اتفاقية الشراكة التجارية والاستثمار عبر الأطلسي، فقد زاد الرئيس الفرنسي من معارضته للاتفاقية في الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية في العام القادم. لقد ضعف الدعم للاتفاقية بشكل كبير لدرجة أن رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر دعا القادة لإعادة التأكيد على التزامهم بالاتفاقية في المجلس الأوروبي لهذا الشهر. إن ما يدفع بذلك التوجه هو الإحساس بأن تأثير العولمة قد أصبح كبيراً جداً لدرجة أنها تؤثر سلبا اليوم في الناس العاديين بينما تعمل على إثراء قلة مختارة، علماً بأن هذا التوجه لا يفتقر للمنطق، حيث إن بعض المجموعات حصدت مكاسب أكبر من التحرير الاقتصادي بينما عانت مجموعات أخرى. لكن الحقيقة هي إن التجارة الحرة التي تسترشد بالقواعد والأحكام الدولية لديها تأثير إيجابي صاف في ما يختص بالاقتصاد الكلي، ومن أجل تجنب خسارة تلك الفوائد فإنه يترتب عمل ما هو أكثر من ذلك بكثير من أجل الحصول مجدداً على الدعم الشعبي للاتفاقيات المعززة للنمو، مثل اتفاقية الشراكة التجارية والاستثمار عبر الأطلسي، ومفتاح الحل هو التعامل مع التأثيرات السلبية للتجارة الحرة وإعداد المجتمعات بشكل أفضل من أجل التعامل مع زيادة الانفتاح الاقتصادي. إن وضع أولوية كبيرة لبرامج الدعم - المساعدة المتعلقة بالتكيف التجاري في الولايات المتحدة الأمريكية، وصندوق التكيف الأوروبي مع العولمة في الاتحاد الأوروبي- مع التركيز على المجموعات التي تتأثر سلباً بالاتفاقيات، هو عامل حتمي واضح ولكن هذه هي بدائل مؤقتة فقط، فنظراً للتحديات الأساسية التي يشكلها التدفق الحر للبضائع والخدمات ورؤوس الأموال على المجتمع - الذي يصحبه تقدم تكنولوجي سريع خاصة في مجال الروبوتات - فإنه يترتب القيام بإصلاحات هيكلية. إن أحد المجالات الذي يتطلب عناية خاصة هو التعليم، فعندما تتعرض صناعات بكاملها للتهديد فإن العمال يواجهون بشكل متزايد الحاجة لتغيير مهنهم، وفي هذا السياق فإنه يجب إعادة التفكير بالمناهج التي حددت التعليم خلال الخمسين سنة الماضية مع وجود توجه بالتحقق من تزويد العمال بمهارات أعلى يمكن تطبيقها بسهولة على مجموعة عريضة من الصناعات. ونظراً للمعارضة السياسية فقد كان هناك تذمر بأن القادة الأمريكان والأوروبيين سيكتفون باتفاقية ضيقة للشراكة التجارية والاستثمار عبر الأطلسي، بحيث تغطي المجالات التي فيها اتفاق فقط. إن مثل تلك الاتفاقية ستكون عبارة عن فرصة ضائعة لأن اتفاقية الشراكة التجارية والاستثمار عبر الأطلسي لديها الإمكانية بعمل ما هو أكثر من ذلك بكثير. إن وجود اتفاقية الشراكة التجارية والاستثمار عبر الأطلسي مع تقارب تنظيمي أوسع تسهل حصول زيادة كبيرة في التجارة، كما أن اتفاقية الشراكة التجارية والاستثمار عبر الأطلسي التي تؤسس لمشروع مشترك يكون بموجبه الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية (مع ناتج محلي إجمالي يصل إلى 18,5 تريليون دولار أمريكي و17,5 تريليون دولار أمريكي على التوالي) شركاء متساوين، قد تعيد تنشيط العلاقة الثنائية. وبالنسبة لأوروبا، فإن الاتفاقية ستكون أكثر فائدة حيث إنها ستعزز صوت الاتحاد الأوروبي في تحديد المقاييس العالمية، في وقت تتم مناقشتها بشكل متزايد. إن اتفاقية محدودة لن تفشل في تحقيق تلك المكاسب فحسب، بل إنها قد تؤدي كذلك إلى الحد من وزن وتأثير المجتمع عبر الأطلسي، من خلال إظهار الضعف والتخلي عن صياغة الأحكام والأنظمة لمنتديات أخرى. ونظراً للقيود السياسية الحالية، فإن تطوير اتفاقية الشراكة التجارية والاستثمار عبر الأطلسي مع أقصى قدر من التأثير لن يكون سهلاً، وسيتطلب بعض من التفكير الخلاق - مثل ذلك التفكير الذي سهل التوصل لاتفاقية باريس للمناخ في ديسمبر/كانون الأول الماضي. إن تلك الاتفاقية مثلت قفزة للأمام في كيفية صنع الاتفاقيات الدولية، حيث إنها نسجت معاً أحكام صعبة وتعهدات غير ملزمة وأطر شاملة من أجل التوصل لاتفاقية بين 195 دولة. ويترتب على الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي أن يستلهما من تلك المقاربة المبتكرة والمضي قدماً انطلاقاً من المواضيع التي تم الاتفاق بشأنها بالفعل على مقاييس ملزمة وتبني مبادئ عريضة وأطر للمفاوضات الحالية في ما يتعلق بالقضايا الشائكة، مثل الصحة وسلامة الطعام. إن مثل تلك الآلية موجودة بالفعل في اتفاقية الشراكة التجارية والاستثمار عبر الأطلسي في فصل مقترح عن التعاون التنظيمي ولكن بطريقة غير محددة ومحدودة. *وزيرة سابقة لخارجية إسبانيا ونائبة لرئيس البنك الدولي، وعضوفي مجلس الدولة الإسباني ومحاضرة زائرة في جامعة جورجتاون. والمقال ينشر بترتيب خاص مع بروجيكت سنديكت

مشاركة :