يقول المثل أن أطول مسافة في السفر هو اجتياز العتبة. وفي ظل النماء الاقتصادي السريع والاهتمام الدولي المتنامي الذي يحظى به قطاع البنية التحتية باعتباره ركناً أساسياً من أركان التنمية الشاملة التي تصبو إلى تحقيقها كبرى الاقتصادات العالمية، يمكن القول إن الصين قد خطت هذه العتبة باقتدار مع تأسيس البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية الذي يستند في مضمونه إلى مفهوم الإصلاح الشامل في خطوة جريئة لدفع عجلة التنمية المشتركة، والنهوض بالمنظومة الاقتصادية والمالية التي لا تزال تحاول الخروج من حالة الركود في أعقاب الأزمة المالية الأخيرة، إذ تشير التقارير الصادرة عن صندوق النقد الدولي إلى تراجع مساهمة الاقتصادات المتقدمة العالمية من 83.6 في المئة عام 1992 إلى 61.9 في المئة عام 2012. وتختلف التصريحات والرؤى حول ماهية البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية الذي يضم حالياً 57 بلداً عضواً من آسيا وأوروبا والشرق الأوسط وأمريكا الجنوبية كالمملكة المتحدة ودول رابطة الآسيان وألمانيا وفرنسا وأستراليا، إذ يرى بعضهم أن هذه المؤسسة متعددة الأطراف تشكل منافساً قوياً لنظيراتها أمثال البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، في حين ينظر بعضهم الآخر إليها بعين التفاؤل في وقت تشهد فيه قارة آسيا تباطؤاً ملحوظاً في تطور بناها التحتية مقارنة بالمناطق الأخرى. وفي ضوء المحادثات الأخيرة حول دخول الدول الإفريقية في مجلس إدارة البنك، من شأن هذه الخطوة أن تعزز الدور المحوري ل البنك الآسيوي ككيان دولي تعاوني ومنبر لإيصال صوت الدول الأعضاء الصغيرة إلى العالم، وتعزيز إسهاماتها في آليات صنع القرارات التي تخدم المصلحة الدولية العليا. وتكمن أهمية البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية في كونه يوفر منصة تعاونية لضخ الاستثمارات في هذه القارة التي تعد الأكبر في العالم، من حيث المساحة والكثافة السكانية، سيما أن مشاريع البنية التحتية تتطلب رؤوس أموال ضخمة على المدى الطويل من أجل الوصول إلى الأهداف المرجوة، والمتمثلة في المقام الأول بخلق بيئة معطاءة ومستدامة في الدول الآسيوية. ولا شك أن تدفق الاستثمار في مثل هذا النوع من المشاريع سيضفي بعداً جديداً على مسيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها الدول الآسيوية، وذلك على مستوى رقمنة العمليات المالية والتجارية وزيادة فرص العمل وتعزيز مرونة الأسواق المحلية والإقليمية وانفتاحها على الأسواق العالمية، الأمر الذي سيلعب دوراً بارزاً في تسريع وتيرة الإصلاح الشامل الذي تقوده المنظمات المالية والتنظيمية العالمية، ما من شأنه ألا يسهم في نمو الاقتصاد الآسيوي فحسب، بل الاقتصاد العالمي أيضاً. وتجسد خطوة انضمام دولة الإمارات العربية المتحدة إلى قائمة الأعضاء المؤسسين في البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، المكانة الاقتصادية الحيوية للدولة على الخريطة العالمية، وتؤكد حرصها للإسهام الفاعل في دعم الاقتصادات العالمية ومشاركة خبراتها الواسعة في تنفيذ مشاريع البنية التحتية التي يشار إليها بالبنان، بما من شأنه أن يشكل إضافة نوعية إلى البنك الآسيوي. ووفقاً لتصريحات كبار المسؤولين في المجال، سيتمحور تركيز البنك الآسيوي في البداية حول توفير آليات متكاملة وشفافة للتمويل، وتفعيل أواصر التعاون الإقليمي والدولي في هذا المضمار، الأمر الذي من شأنه أن يعبد الطريق أمام الدول الآسيوية، وخاصة النامية منها ذات الملاءة المالية المحدودة، للارتقاء بجودة بناها التحتية وضمان مواكبتها لآخر التطورات والاتجاهات الناشئة في القرن الحادي والعشرين، مع التركيز على القطاعات والمجالات الحيوية كالتكنولوجيا والطاقة والاتصالات والزراعة والخدمات اللوجستية والتخطيط العمراني وغيرها من القطاعات التي تقوم عليها التنمية الشاملة. ويُذكر أنه سيتم تخصيص مبلغ 50 مليار دولار أمريكي كرأس مال أولي ل البنك الآسيوي، على أن يتضاعف إلى 100 مليار دولار في النهاية، وتعد الصين المساهم الأكبر في البنك بواقع 30.34 في المئة، تليها الهند وروسيا وألمانيا على التوالي، علماً أن مجلس إدارة البنك يضم 12 مقعداً، موزعين بين 9 مقاعد مخصصة للأعضاء داخل آسيا و3 مقاعد للأعضاء من الخارج.
مشاركة :