كلوديا مرشيليان: نعيشُ حرباً إنسانية أولى! - فوانيس رمضان

  • 6/16/2016
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

كلمتان تثيران الفضول والفزع في وقت معاً! الفضول إلى اكتشاف مجهولٍ مفعمٍ بالغرابة والتوتر يقبع هناك، في جوف طائرة منكوبة، أو سفينة غارقة، والفزع الذي يصاحب التنقيب عن أسرارٍ غامضة ومعتمة تقف وراء المشهد، وتتوارى في الجانب المظلم من الصورة! الإنسان أيضاً يملك «صندوقاً أسود»، يرافقه طوال الوقت، يسجل عليه حركاته وسكناته، ويحتفظ بآلامه وآماله، ويختزن ما يحب وما يكره، ويخبئ أفراحه وإحباطاته، والأهم من كل ذلك أنه يفيض بملايين الأسرار التي قد يحرص الإنسان أن يخفيها عن الآخرين، حتى الأصدقاء والأحبة! «الراي»، التي تدرك جيداً أن أغلب البشر يرفضون فتح «صناديقهم السوداء»، مهما كانت المغريات، قررت المغامرة - في هذه الزاوية - بأن تفتش في أعماق كوكبة من الفنانين والإعلاميين، وتطل على الجانب الأكثر غموضاً في حياتهم، والذي يمثل لهم «مجهولاً» طالما هربوا منه... لكن «الراي» تجبرهم الآن على مواجهته! وفي هذه الزاوية تحدثت الكاتبة كلوديا مرشيليان بكل صراحة وعفوية: • في البداية، كيف كانت طفولتك؟ - هذا سؤال واسع النطاق، فقد انتقلنا في بداية الحرب اللبنانية إلى منطقة بصاليم وما زلنا فيها حتى هذه اللحظة. لم تكن بصاليم كما هي عليه اليوم بل كانت الطبيعة تمتد على مساحة كبيرة منها، فأتذكر طفولتي مع أولاد خالتي وأولاد الجيران وكيف كنا نلعب في الطبيعة. • ما هي الألعاب التي كنتِ تفضلينها عن سواها خلال تلك الفترة؟ - في ذلك الوقت «ما كان الولد هلقد مغنج مثل اليوم»، كان لدي دراجة هوائية وكنت أحبها كثيراً، هذا بالإضافة إلى العديد من الألعاب التي كنا ننجزها بيدنا. مثلاً، كان أولاد خالتي يضعون خشبة على مجموعة دواليب «ونكرّجها». • في رأيك، هل الجيل الحالي أوفر حظاً لكونه يحظى بالألعاب الإلكترونية الحديثة، على عكس الألعاب القديمة كألعاب الدمى أو الغميضة أو حي الميد وغيرها؟ - «هالجيل ما شفنا خيره من شره»، لم يمض عشر سنوات على هذا التطور الكبير ولم نر بعد ماذا سيظهر منهم أو ماذا سيتذكرون عن طفولتهم وماذا سيقولون لنا عنها. يجب أن ننتظر حتى يتقدم الجيل الحالي في العمر ويتكلمون لنا عن تجربتهم، فليس نحن من نحكم عليهم. • ما هي الرسوم المتحركة التي كنتِ تحرصين على متابعتها وقتذاك وبشغف كبير؟ - «لولو». • أيهما الأقرب إليك من الآخر والدتك أم والدك؟ - كلاهما، فكل شخص منهما كان يلعب دوراً مختلفاً عن الآخر. وكان لأمي وجود وحضور مهم في حياتي. الأب اليوم يقوم بأشياء عدة تقوم بها الأم أيضاً، وفي المقابل تعمل الأم وتخرج مثل الأب. أما في السابق، كانت الأم معنا في المنزل طوال الوقت وأبي من كان يخرج للعمل، وبالتالي كانا غير متشابهين، بل هما يكملان بعضهما البعض وكلاهما كان قريباً مني كل في مكانه. • هل كنتِ طفلة مدللة، أم محرومة؟ - لم أكن طفلة مدللة، كما أنني لم أكن طفلة محرومة أبداً. كان والداي ينتبهان لنا ويغمراننا بمحبتهما، أي أننا كنا مدللين بالعواطف، لكن إذا كنت تقصد بمدللة أن كل ما أتمناه وأطلبه يتحقق، فأقول لك إنني عشت طفولتي في ظل الحرب حيث كانت «أشغال الناس واقفة»، لكن في المقابل التعليم كان مقدساً في العائلة ولم نحرم منه وكذلك العاطفة والطعام أيضاً. لم تكن باستطاعة عائلتي أن تشتري لي فستاناً وحذاء كل يوم، وفي هذه الناحية وكل من حولي أيضاً كنا نعتبر محرومين وللحصول على هذه الأشياء ننتظر أيام العيد، وذلك لأنها كانت فترة صعبة جداً. في النهاية، لا أعتبر أنني كنت طفلة محرومة، بل على العكس كنت طفلة سعيدة. • كم لديك من الأشقاء، ومن يشبهك منهم في الملامح أو الطباع والصفات؟ - لدي أخ وثلاث أخوات، نشبه بعضنا البعض في ملامح الوجوه وفي نبرات أصواتنا أيضاً، إلا أنه لكل منا كاراكتر مختلف عن الآخر. • كيف هي طباعك داخل المنزل وخارجه؟ - أنا امرأة متماسكة ومتشابهة، وفي داخل المنزل كما خارجه لا أتغير، فأنا صادقة وقريبة وأهتم كثيراً بالعلاقات الإنسانية التي هي رصيد أي إنسان. الحياة تجارب وسلسلة مصاعب يمر بها الإنسان من فشل وفقر ومرض وحوادت، ولا يساعدك على مثل هذه المواقف إلا من هم حولك. فالمال وعلى الرغم من أهميته يمكنك تأمينه بسهولة، إلا أن الحصول على محبة الناس ليس سهلاً. • هل كنتِ تلميذة هادئة ومتفوقة في الدراسة، أم كسولة ومشاكسة؟ - كنت تلميذة متفوقة جداً في الدراسة، وأذكر أنني كنت هادئة كثيراً ولا أتكلم إلا للضرورة وأسأل عن الكثير من الأشياء التي لا أفهمها. أنهيت المرحلة المتوسطة في المدرسة وكان عمري 12 عاماً فقط، وتخرجت من المدرسة بعمر الـ 16 عاماً. • هل تتذكرين زملاء الدراسة؟ - نعم، وأتذكر أساتذتي أيضاً. • وهل تتواصلين معهم حتى الآن؟ - نعم، عندما حان وقت التسجيل للصف الثانوي الأول، ذهبت والدتي إلى الراهبة المسؤولة عن المدرسة، وقالت لها إن والدي لا يعمل وحالتنا المادية بشعة جداً لدرجة أنه لا يملك المال لتسجيلي في المدرسة وطلبت مساعدتها في هذا الموضوع، فتوجهت بالحديث إليّ وأجابت مبتسمة: «طالما أنك متفوقة سبتقين عندنا وبلا مصاري» وفعلاً تعلمت لمدة ثلاث سنوات من دون أن أدفع قرشاً واحداً إلى أن تخرجت من المدرسة اليسوعية البوشرية. والراهبة ماري جان ما زالت موجودة حتى الآن على الرغم من تقدمها في السنّ، وأنا أحرص على زيارتها بين الحين والآخر وسأظل أشكرها حتى آخر يوم في حياتي. • اذكري لنا موقفاً طريفاً لا يزال عالقاً في ذاكرتك؟ - في عمر التسع سنوات، جاء أحد الأساتذة إلى صفّي وطلب الإذن من أستاذي ليأخذني إلى صفه الذي يتراوح أعمار طلابه بين الـ 15 والـ 16 عاماً، وذلك لأنه كان هناك شاب لا يستطيع حلّ مسألة علمية، فبادر أستاذه بالقول: «انت هبيلة وانظر إلى هذه الفتاة الأصغر منك كيف ستستطيع حلها». دخلت الصف، فوجدت أن ابن خالتي هو التلميذ المقصود، وهنا تملكني الخوف على ما سينتظرني معه في المنزل عند عودتنا. لكن استطعت حل المسألة ووضعته في موقف حرج، وعندما عدت إلى المنزل أخبرت أمي وخالتي بما حصل، إلا أنه عند وصوله بحث عني وضربني. • لم تكملي دراستك الثانوية والجامعية؟ - نعم. • ما هي الشهادات الدراسية والمؤهلات العلمية التي في حوزتك؟ - أنهيت دراستي الثانوية في مدرسة الراهبات اليسوعية، ثم درست الفنون الجميلة في الجامعة اللبنانية وحصلت على شهادة دراسات عليا. • حسناً، لنبتعد قليلاً عن أجواء الدراسة، ولنتحدث عن أحلام الطفولة التي تحققت وما لم تتحقق؟ - لم أكن أحلم أنني سأصل إلى هذا المكان، وبكل صراحة كانت أحلامي تأتي وراء بعضها البعض، وعندما بدأت الكتابة حلمت أن يحقق عملي الأول النجاح، وبعد ذلك تركزت أحلامي على الاستمرارية وحب الناس، واليوم أحلم أن أحافظ على المستوى الذي وصلت إليه، كما أحلم أن لا أفقد أشخاصاً من حولي وأن يوفقنا الله في أعمالنا ويعطينا الصحة والنجاح ومحبة الناس. ويجب أن يكون الحلم «على قد عمرك ومكانك». • لو عاد بك الزمن إلى الوراء وأنت في نضجك الحالي، فهل كنتِ ستحترفين الفن؟ - طبعاً، «مش ضاربة عيني على مجال تاني». • ما هي القرارات التي اتخذتها في طفولتك وندمتِ عليها الآن؟ - لست نادمة على أي قرار وسعيدة بما وصلت إليه. واضح للجميع أنني شخص ناجح وعمله قوي، واليوم أنا سعيدة بحياتي وعائلتي تواكبني دائماً ولدي العديد من الأصدقاء إلى جانبي ومرتاحة على جميع الصعد العملية والعائلية والمادية والمعنوية. أما إذا كنت تقصد أنني لم أتزوج حتى الآن، فأنا لست نادمة أبداً على ذلك، لأن هذا القرار كان بيدي وأخذته عن قناعة ووعي منذ البداية، لأنني لا أريد الطلاق بمعنى أن أنجب أولاداً وأصبح مطلقة وتحدث مشاكل سواء على حضانة الأطفال أو غيرها. وحين تتخذ المرأة قراراً بأنها لا تريد أن تتطلق، فإنها تتزوج بالشكل الصحيح، وأنا لم أكن على استعداد للتنازل عن أي شيء من أجل الزواج، وهذا الموضوع ليس نهاية الدنيا بالنسبة إليّ، لأنه في النهاية لا يستطيع الإنسان أن يربح كل الأشياء، وهذا ما يجب أن يدركه كل شخص ويقتنع به حتى ينجح في حياته. • إلى أي مدى تتأثرين بمشاهدة الأطفال المحرومين والمشردين؟ - كثيراً، هذا المشهد مش طبيعي، اليوم نمر بأوضاع بشعة جداً وهي لا تقتصر على الأولاد المشردين وأنا تكلمت عنهم في مسلسل «سمرا» وتكلمت أيضاً عن الأولاد المحرومين من الفرص لعدم امتلاكهم جنسية، فهؤلاء الأطفال يجبرون على أن يكونوا إرهابيين ومجرمين. والأطفال يعانون ويتعرضون لأمور مسيئة بسبب أشخاص مرضى وهذا ما يحزنني. اليوم نعيش في وضع أسوأ، فهناك الآلاف من الأولاد الذين يعيشون في خيام على حدود الدول ويتعرضون لأبشع أنواع الانتهاكات، حتى أنهم أحياناً يتعرضون للبيع من أهاليهم لمواصلة مشوار الحياة. نحن نعيش في ظل حرب إنسانية أولى وليست حرباً عالمية ثالثة، نسمع عن قصص لا تخطر في بال إنسان، وعندما نقدم عملاً درامياً لإظهارها يقولون لنا إن أعمالنا من نسيج الخيال ويهاجموننا. للأسف ان وضعنا مأسوي وهذا الجيل الذي يتعرض لكل هذه الصعوبات «شو ح يطلع منه؟» وهذا ما لا ينتبهون له. هناك إعادة إعمار للدول لكن للناس التي انضربت والاغتصابات التي تحدث بالجملة والأسر والتعذيب وهذه الناس عندما ستعود إلى منازلها كيف ستكبر؟ وأي مجتمعات ستؤسس؟ • ما هي نصيحتك لكل الأطفال؟ - لا يستطيع الطفل تلقي النصيحة، بل تستطيع أن توجهها إلى إنسان ناضج. أوجه نصيحة لأهل هؤلاء الأطفال، وهي ضرورة حمايتهم، وحتى الأولاد في منازلنا يجب حمايتهم من مشاهدة تلك الصور المؤلمة، وأن لا نتكلم أمامهم في مثل هذه المواضيع، لأن الولد لا يستطيع استيعاب ما يحصل، وبالتالي يعتقد أنها الحقيقة وهذا ما ينتج عنه جيل من المجرمين. يجب أن يعيش كل طفل طفولته وأن يكون على اتصال دائم سواء بالطبيعة أم بأصدقائه أو بالتكنولوجيا، وأن يسعى إلى إقامة علاقات إنسانية.

مشاركة :