معركة بدر والمعجزة الكبرى | عبدالله فراج الشريف

  • 6/17/2016
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

في السابع عشر من هذا الشهر، يحلُّ اليوم الذي حدثت فيه المعركة الكبرى بين المسلمين والمشركين في بدر، المدينة المعروفة بهذا الاسم اليوم، وإن كانت حين وقعت المعركة بئرًا مشهورة تقع في الطريق إلى المدينة المنورة بقربها، يردها الناس، وكان العرب يجتمعون بها، فهي موسم من مواسمهم في الجاهليَّة، وسوق من أسواقهم، وقد وقعت الغزوة قريبًا من زمن الهجرة في السنة الثانية منها، بلغ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر قافلة لقريش قد أقبلت من الشام بأموالٍ عظيمةٍ لقريش تحملها ألف بعير، وقُدِّرت أثمانها بخمسين ألف دينار، فندب سيدنا رسول الله عليه الصلاة والسلام أصحابه لاعتراضها، وقال: (هذه عير قريش فيها أموالهم، فاخرجوا لعلَّ الله ينفلكموها)، فخرجوا لا يريدون سواها، ولا يرونها إلاَّ غنيمة لهم، عوضًا عن أموال لهم استولت عليها قريش، وتعويضًا لخسارتهم لها، ولا يظنون أن يكون قتال بينهم وبين قريش، فالله عز وجل يقول: (وَإذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الكَافِرِينَ* لِيُحِقَّ الحَقَّ وَيُبْطِلَ البَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ المُجْرِمُونَ)، وغير ذات الشوكة هي القافلة التي على رأسها أبوسفيان، ومعه من الرجال أربعون، ولكن الله أراد لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الأفضل الذي به تهابهم العرب، ويحقق الله لهم النصر، رغم قلة عددهم، فهم ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، سلاحهم القليل، ووسائلهم للانتقال الأقل، فما معهم من الخيل إلاَّ فرسان، ومن الإبل سبعون بعيرًا يتعاقبون ركوبها كل اثنين على بعير، وكل ثلاثة لهم بعير، حتَّى أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعاقب على بعير مع علي بن أبي طالب -كرّم الله وجهه، ورضي عنه-، ومرثد الغنوي -رضي الله عنه- وقد قالا له -صلى الله عليه وسلم-: اركب حتّى نمشي عنك فقال: ما أنتما بأقوى مني، وما أنا بأغنى من الأجر منكما، قيادة يأثم بها ويقتدي بها خير العباد من أصحابه -رضوان الله عليهم-، وقد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم يوم الاثنين لثمانٍ، أو تسع، أو اثنى عشر خلون في رمضان، ولعلّ حكمة الله -عز وجل- أراد بها الله أن يربط الجهاد برمضان، جهاد نفس على الطاعة، وجهاد بالقتال لرفعة الدِّين وعز الأمة ببذل الروح في ساحات المعارك، ولما بلغ أبا سفيان خبر خروج المسلمين من المدينة أرسل إلى مكة مستصرخًا قريشًا ليمنعوه من المسلمين، ويمنعوا أموالهم، بعد أن غير طريقه المعتاد، ليبتعد عن جيش المسلمين، ولما بلغ قريش النبأ فجد جدهم، ونهضوا مسرعين، فكانوا بين رجلين إمّا خارج للقتال، وإمّا باعت مكانه رجلاً، لأن معظمهم كان له نصيب في تلك القافلة، وقد خرجوا من مكة معلنين عن خروجهم ممّا وصفه ربنا -عز وجل- فقال: (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ وَاللهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ)، ورغم أن عيرهم نجحت بما فعل أبوسفيان من تغيير مسار القافلة، وأرسل إليهم أن ارجعوا، فلمَّا همَّوا بالرجوع انبرى لهم أبوجهل قائلاً: والله لا نرجع حتّى نرد بدرًا فنقيم عليها ثلاثة أيام، تنحر الجزور، ونطعم الطعام ونسقي الخمر، وتعزف علينا القيان، وتسمع بنا العرب وبمسيرتنا وجمعنا فلا يزالون يهابوننا أبدًا وبعدها فامضوا. فمضوا إلى بدر وعدّتهم ما بين التسعمئة والألف، ومنهم مئة فرس وسبعمئة بعير، ولدى المقارنة بين الجيشين فالتفوق لهم، ولكن هناك حساب غير مادي يحضر مع النبي صلى الله عليه وسلم، فصحبه جميعهم -رغم القلة، وضعف الاستعداد بالسلاح والكراع- إلاَّ أنَّهم عازمون على نصرة الدِّين، ونصرة الرسول، لا يقف بينهم وبين النصر حائل، فها هم الأنصار يقولون: آمنَّا بك، وصدَّقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أردت، فنحن معك، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلَّف منَّا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدًا، إنَّا لصبر في الحرب، صدق عند اللقاء، لعلّ الله يريد منا ما تقرّ به عينك، فسر بنا على بركة الله، وما موقف المهاجرين عنهم ببعيد، وهم من آذتهم قريش، واستولت على أموالهم، وبهما معًا كان النصر بتأييد من الله وملائكته، أليس ربنا يقول: (إذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ المَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ)، وقوله (إذْ يُوحِي رَبُّكَ إلَى المَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِى قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ)، ومن يقرأ سورة الأنفال سيدرك عظمة هذه المعركة، وكيف كانت فاصلاً بين عهدين للمسلمين في الجزيرة العربيَّة، ومن يقرأ السيرة سيعرف بطولات للصحب لم تعهد في تاريخ المعارك، أفليس لنا الحق أن نحتفي بذكرى بدر، ونصر الله لرسوله صلى الله عليه وسلم وصحبه فيها، وأن نتذكر شهداءها الأربعة عشر رجلاً، الصفوة الإيمانيَّة العظيمة بذلاً وعطاءً في سبيل الله، فاللهم لا تفتنا بعدهم، ولا تحرمنا من الأجر لمحبتنا لهم، وصلى الله وسلم على عبدك ورسولك سيدنا محمد. alshareef_a2005@yahoo.com

مشاركة :