وقع 51 دبلوماسياً أميركياً على مذكرة داخلية تنتقد بشدة سياسة الولايات المتحدة في سورية، وتطالب بضربات عسكرية ضد نظام الرئيس بشار الأسد لوقف انتهاكاته المتكررة لاتفاق وقف إطلاق النار، وكوسيلة وحيدة للقضاء على تنظيم «داعش». في وقت استهدفت ضربات جوية، اتهمت واشنطن موسكو بتنفيذها، اجتماعاً مشتركاً بين مقاتلين سوريين وعراقيين تدعمهم الولايات المتحدة، كان مخصصاً لتنسيق المعركة ضد «داعش» على جانبي الحدود. وكشفت صحيفة «وول ستريت جورنال» عن مذكرة وقعها 51 مسؤولاً من وزارة الخارجية الأميركية من المستوى المتوسط إلى المرتفع شاركوا في تقديم النصح بشأن السياسة تجاه سورية. وقالت الصحيفة إن المذكرة تدعو إلى تنفيذ «ضربات عسكرية موجهة» ضد الحكومة السورية في ضوء الانهيار شبه التام لاتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في وقت سابق هذا العام. وقال مسؤول أميركي، لم يوقع على المذكرة لكنه اطلع عليها، إن البيت الأبيض مازال يعارض أي تدخل عسكري على نحو أعمق في الصراع السوري. وأضاف لـ«رويترز» أن المذكرة لن تغير هذا الموقف على الأرجح، ولن تحول تركيز الرئيس الأميركي باراك أوباما عن الحرب ضد التهديد المستمر والمتزايد الذي يمثله تنظيم «داعش». وقال مسؤول ثانٍ قرأ المذكرة إنها تعبر عن وجهة نظر المسؤولين الأميركيين الذين يعملون بشأن الملف السوري، ويعتقدون أن السياسة التي تنتهجها إدارة أوباما غير فعالة. وأضاف «باختصار تود المجموعة طرح خيار عسكري ليضع بعض الضغط على النظام (السوري)». وفي حين أن المذكرات من هذا النوع معتادة، فإن عدد الموقعين عليها كبير للغاية. وقال السفير الأميركي السابق في سورية، روبرت فورد، الذي استقال في عام 2014 من منصبه بسبب خلافات سياسية، ويعمل الآن في معهد الشرق الأوسط بواشنطن «هذا رقم كبير على نحو مثير للدهشة». وأضاف أنه على مدار السنوات الأربع الماضية، كان هناك حث على ممارسة مزيد من الضغوط على حكومة الأسد للقبول بالتفاوض لإنهاء الحرب الأهلية في سورية. وأشار فورد إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي تطالب فيها وزارة الخارجية الأميركية بانتهاج سياسة أكثر فعالية تجاه سورية. واعتبر وزير الخارجية الأميركي جون كيري، أمس، إن المذكرة الداخلية «إعلان مهم» سيبحثه حين يعود إلى واشنطن. وقال خلال زيارة لكوبنهاغن «إنه إعلان مهم، وأنا احترم العملية جداً جداً، ستتاح لي فرصة للاجتماع مع الناس حين أعود». وأضاف أنه لم يطلع على المذكرة بنفسه. وفي موسكو، حذر الكرملين، تعليقاً على المذكرة الأميركية، من أن منطقة الشرق الأوسط قد تغرق في الفوضى في حال إسقاط نظام الأسد، مؤكداً أن سقوط النظام لن يساعد في محاربة الإرهاب. ونقلت شبكة «روسيا اليوم» الإخبارية الروسية، أمس، عن المتحدث باسم الرئيس الروسي، ديمتري بيسكوف، قوله «في أي حال من الأحوال لا يمكن لموسكو أن تتعاطف مع الدعوات إلى إسقاط السلطة في دولة أخرى باستخدام القوة، وعلاوة على ذلك، من المشكوك فيه أن يسهم إسقاط هذا النظام أوذاك في إحراز تقدم في محاربة الإرهاب بنجاح، بل قد يؤدي ذلك إلى تعميم الفوضى المطلقة بالمنطقة». من جهته، قال نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف، إن «هناك قرارات صادرة عن مجلس الأمن الدولي لابد من احترامها»، مشدداً على أن هذه المذكرة «لا تتلاءم مع القرارات، وعلينا خوض مفاوضات، والسعي نحو حل سياسي». كما أعربت وزارة الدفاع الروسية عن «قلقها» إزاء دعوة الدبلوماسيين الأميركيين. وقال المتحدث باسم الوزارة إيغور كوناشنكوف في بيان «لو كانت هناك ذرة حقيقة واحدة في هذه المعلومات على الاقل، فإن هذا الأمر لا يمكن إلا أن يثير قلق أي شخص عاقل». إلى ذلك، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أمس «نتفق مع اقتراح أميركي بإشراك بعض أطراف المعارضة السورية في الحكومة الحالية»، مؤكداً أنه «إذا استمرت الأمور كما هي في سورية فستنهار». على الصعيد الميداني، أعلن مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أن طائرات روسية شنت «سلسلة غارات» قرب معبر التنف الحدودي مع العراق، مستهدفة مقاتلين من المعارضة السورية، تلقى بعضهم دعماً من الولايات المتحدة، معتبراً أن ذلك يثير «مخاوف جدية بشأن النوايا الروسية» في سورية. بدوره، قال مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، رامي عبدالرحمن، إن طائرات حربية لم يحدد هويتها نفذت، عصر أول من أمس، ضربتين على معسكر لمقاتلي «جيش سورية الجديد»، بالقرب من معبر التنف الحدودي مع العراق، لافتاً إلى أن القصف استهدف «اجتماعاً ضم مقاتلين من جيش سورية الجديد، وآخرين من العشائر العراقية المدعومين من التحالف الدولي» بقيادة أميركية. وبحسب عبد الرحمن، كان الاجتماع مخصصاً «لتنسيق القتال ضد تنظيم داعش في الجانبين السوري والعراقي»، مشيراً إلى مقتل عنصرين أحدهما سوري والآخر عراقي، إضافة إلى إصابة أربعة آخرين جراء الغارات. و«جيش سورية الجديد» فصيل معارض تأسس في نوفمبر 2015، ويضم 125 مقاتلاً وفق المرصد، يتحدرون بشكل رئيس من محافظة دير الزور (شرق)، إضافة الى حمص (وسط)، وتلقوا تدريبات في معسكر تابع لقوات التحالف الدولي في الأردن. ويسعى هذا الفصيل، وفق عبد الرحمن، إلى «التقدم نحو ريف دير الزور بشكل متواز مع تقدم مقاتلي العشائر العراقية نحو مدينة القائم المقابلة لمدينة البوكمال بهدف قطع إمدادات التنظيم بين سورية والعراق». بدوره، قال الكرملين، أمس، إن الاختلاط بين مقاتلي ما يطلق عليها المعارضة المعتدلة ومسلحي «جبهة النصرة» على الأرض في سورية يجعل من الصعب التفرقة بين الاثنين عند تنفيذ ضربات جوية.
مشاركة :