لا شك أن مسار ثقافة التكوين السياسي للجماعات الدينية المسلحة المتطرفة قد اختلف بعد ظهور القاعدة على مستويين، المستوى الأول «تجاوز الحدود الجغرافيا» والمستوى الثاني «تجاوز أحادية النوع القومي من خلال استقطاب كوادر جهادية من مختلف أقطار العالم». وقبل ثورات الربيع العربي كان العالم العربي يضم تنظيمين مسلحين؛ تنظيم الإخوان المسلمين السني السلفي في مصر وهو تنظيم مسلّح غير فاعل بالصورة التي نراها عند حزب الله، والتنظيم الديني الثاني المسلّح هو حزب الله الشيعي الذي حولته إيران إلى شوكة تهدد بها خاصرة دول الخليج والسنيين في لبنان. أما «القاعدة» فهي نظرًا لموقعها الجغرافي كونها استقرّت في أفغانستان لا تحسب بصورة مباشرة كتنظيم جغرافي عربي، وإن كانت تقيم تحالفًا مع الإخوان المسلمين في مصر، وبعض المتمردين الدينيين في دول الخليج. وبعد ثورات الربيع العربي السلمية وخطف ثمارها من قِبل الصف الثاني من طواغيت دول الربيع العربي، وخروج شباب الثورة صفر الأيدي، واستمرار انتهاكات النظام السوري للسوريين الذين خرجوا للتحرر من النظام الأسديّ الفاشي، وإحياء السياسة الصفوية لنوري المالكي نحو شيعة العراق، ومع استمرار حالة الإحباط التي اعترت الشباب العربي بعد تفشيل نتائج ثورات الربيع العربي واستمرار اليأس وخيبة الأمل في تحقيق أي تغير يُجري بأيدي حكومات الأنظمة الحاكمة، في ضوء هذا الوضع المظلم بالنسبة للشباب العربي انبثقت فكرة ألا تغيّر سيتم ضمن معارضة سلمية إنما التغير لن يتحقق إلا في ظل المعارضة المسلحة ومن هذا المنطق تكونت الجماعات الدينية المسلحة مثل داعش السنية السلفية المتطرفة وفروعها في العراق وسوريا وليبيا. وبذلك اختل توازن الرعب في المنطقة وفق الأكثرية، وأصبحت إيران محاطة بالحركات الدينية السنية المتطرفة المسلحة في سوريا والعراق، وأصبح حزب الله بمفرده كذراع مسلح لإيران في لبنان لا يوفي بغرض تحقيق «توازن الرعب» في المنطقة، ولذا لا بد من إنشاء ذراع مسلح لإيران آخر في المنطقة ليحقق لها توازن الرعب في المنطقة، وكان الحوثيون الأقرب خصائص لهذا المشروع. فإيران لا تستطيع إنشاء ذراع مسلح لها في السعودية أو الكويت أو قطر، لكن الأمر مُتاح لها في اليمن لعدة أسباب. * الوضع الاقتصادي لشيعة اليمن الذي يميل إلى الفقر، وبهذا الوضع تستطيع إيران استثماره لمصلحة مشروعها في إنبات ذراع مسلح لها في اليمن. يقول شائف العميسي وهو قائد سابق في حركة الحوثي «أعتقد أن الحوثي هو عبارة عن كرت هاتف دفع مسبقًا»، ثم يقول بأن آل بدر الدين الحوثي «كانوا لا يمتلكون اللقمة في الثمانينيات، بل يقال: إن بدر الدين ما كان معه إلا ثوبان، ثم أصبح بعد ذهابه إلى إيران والصلاة أمام الخميني مليارديرا» *هشاشة الوضع الأمني في اليمن، وذلك يُتيح لها حرية الانتقال والاتصال. *سهولة تسليح شيعة اليمن، باعتبار أن التسليح جزء من ثقافة اليماني وتكثيفه لن يلفت انتباه الحكومة اليمنية، إضافة إلى سعة ومرونة السوق السوداء للأسلحة في اليمن. * وجود بنية حزبية شيعية مستقلة وجاهزة، وهو ما يختلف عن دول الخليج، فالسعودية لا توجد فيها أحزاب سياسية، والكويت الحزب الشيعي في برلمان مجلس الأمة يدخل ضمن الأحزاب المدنية، وليس له حزب مستقل مذهبي، والبحرين التنظيمات الشيعية تعتمد على البعد الاستحقاقي في المقام الأول وليس المذهبي، وفشلت إيران من تحويل تلك التنظيمات لشيعة البحرين إلى حزب الله جديد في البحرين، بسبب وجود حكومة قوية ومساندة من دول الخليج كما حدث في عام 2011 عندما دخلت قوات درع الجزيرة البحرين طلبًا من رئيسها لحماية المصالح الاستراتيجية في البلاد من المحتجين الذي اعتصموا في دوار اللؤلؤة. أما اليمن فبنية الحزب الديني موجودة وكل ما على إيران أن تغذيها وتنميها لتّصبح ذراعها المسلح في جنوب الجزيرة العربية، إضافة إلى إعجاب شيعة اليمن السياسيين بأفكار الخميني والثورة الإيرانية مما سيسهل مهمة إنبات ذلك الذراع المسلّح. مقالات أخرى للكاتب إيران وحزبنة الحوثيين «2» إيران وحزبنة الحوثيين «1» ثقفنّة الترفيه ووثيقة التأسيس «2» الهيئة العامة للثقافة ووثيقة التأسيس «1» السعودية 2030 ما بعد ثقافة النفط «2»
مشاركة :