فيما تستعد الحكومة لإحالة مشروع قانون تعديلات قانون البنك المركزي والبنوك والنقد الأجنبي، والخاصة بتغليظ عقوبة مخالفة شروط التعامل بشركات الصرافة، والاتجار في العملات الأجنبية خارج القنوات الرسمية، إلى مجلس النواب لمناقشته وإقراره، أكدت مصادر بسوق الصرف الأجنبي أن المشروع يسعى لتقليص وتهميش نشاط شركات الصرافة والتضييق عليها، فيما قال خبراء بنوك واقتصاد إن التعديلات وحدها لا تكفي بل قد تزيد من تعاملات الخفاء وترفع معدل المخاطرة والذي يصاحبه زيادة أسعار الصرف وليس السيطرة عليها، في حين اعتبرها المركز المصري للدراسات الاقتصادية إجراء إيجابياً للحد من التلاعبات التي تتم في العملة الأجنبية في السوق إلا أن المركز الذي يعد أهم المراكز البحثية المختصة بالاقتصاد في مصر يرى أن تغليظ العقوبات وحده لن يكفي لإنهاء مشكلة الدولار، مطالباً بالإسراع في حل الأزمة من جذورها ومعالجة المشكلات التي أدت إليها. وكان مجلس الوزراء قد وافق قبل أيام على مشروع قانون بتعديل المادتين رقم 114 و126 من قانون البنك المركزي، والجهاز المصرفي والنقد، رقم 88 لسنة 2003 الخاص بتنظيم عمليات النقد الأجنبي. وتضمن التعديل أن يحدد مجلس إدارة البنك المركزي، شروط التعامل في النقد الأجنبي لشركات الصرافة. وتضمن التعديل أيضاً أن يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، ولا تجاوز 3 سنوات، وبغرامة لا تقل عن مليون جنيه، ولا تجاوز 5 ملايين جنيه، كل من خالف أياً من أحكام القانون رقم 88 لسنة 2003، الخاص بتنظيم عمليات النقد الأجنبي. تضمن المشروع مادة جديدة برقم 126 مكرر للعقوبات، تختص بتغليظ العقوبة على نشاط العملات الأجنبية خارج القنوات الشرعية، وتنص على أن يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن 3 سنوات، ولا تزيد على 10 سنوات، وبغرامة تساوي المبلغ محل الجريمة، كل من يتعامل في النقد الأجنبي خارج البنوك المعتمدة، أو الجهات المرخص لها، كما تنص على أن يحكم في جميع الأحوال بمصادرة المبالغ محل الجريمة. مداهمة شركات الصرافة في الوقت الذي تشهد فيه سوق الصرف الأجنبي خارج البنوك هدوءا في تعاملاتها منذ بداية الشهر الكريم واستقرت اسعار صرف الدولار عند مستوياتها منذ نحو 10 أيام لتتراوح بين 10.65 و10.70 قرش، إلا أن السوق شهد عددا من حملات البنك المركزي لمداهمة بعض شركات الصرافة، هذا في الوقت الذي ارتفع فيه عدد الشركات التي تم سحب ترخيصها نحو 20 شركة بخلاف الفروع التابعة لها، وجاء مشروع القانون الجديد ليثير حالة متزايدة من القلق الشديد لدى الشركات، وقال أحمد عبدالظاهر صاحب شركة صرافة، إن تغليظ العقوبات وتشديد شروط التعامل لا يمثل حلا للمشكلة التي تأتي على خلفية نقص موارد النقد الأجنبي وبدون حل هذه المشكلة والعمل على زيادة الموارد لن تجدي هذه العقوبات نفعاً. تحذيرات من القيود ترى الدكتورة عالية المهدي، العميدة السابقة لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية أنه من الطبيعي أن يكون هناك سعر صرف غير رسمي للدولار، لأن السعر الحالي لا يعكس حقيقة حالة الندرة في النقد الأجنبي الذي يعاني منها الاقتصاد المصري حاليا وحذرت من أن هذه القيود قد ترفع تعاملات الخفاء وزيادة المخاطرة، وبالتالي ارتفاع اسعار صرف الدولار، مشيرة إلى أن هذه التعديلات دليل على فشل السياسة النقدية واتباع سياسيات صرف غير مدروسة، وطالبت البنك المركزي بضرورة التنسيق مع شركات الصرافة باعتبارها شريكاً مع البنوك وتتحمل مسؤولية أكبر في تدبير موارد النقد الأجنبي. وتخشى المهدي من أن تغليظ العقوبات لن يؤدي إلى القضاء على الاتجار غير الرسمي في سوق الصرف الأجنبي بل قد يخلق سوقا سوداء أكثر اتساعاً، ووفقاً لعبدالرحمن بركة الخبير المصرفي وأمين اتحاد المصارف السابق، فإن تشديد العقوبات وحده لا يكفي وأنه لا بد من السير في اتجاهين متوازيين لمعالجة مشكلة سوق النقد الأجنبي، الأول العمل على حل مشكلة ندرة الموارد الأجنبية وضمان وصولها للقنوات الشرعية والضرب بيد من حديد على تجارة العملة غير الشرعية وشركات الصرافة المخالفة. والاتجاه الثاني هو ايجاد حلول قصيرة المدى للمشكلة الأساسية وهي مشكلة محدودية موارد النقد الأجنبي. العجز عن تمويل الواردات يؤكد المركز المصري للدراسات الاقتصادية أن اساس حل الأزمة الحالية سواء على المستوى النقدي أو الاقتصادي هو عدم قدرة الاقتصاد على تنمية موارده بالعملات الأجنبية مع تراجع موارد الدولة من السياحة وعدم نمو الاستثمارات الأجنبية المباشرة بصورة كافية وتراجع إيرادات الصادرات وضعف الطاقات المتاحة لإنتاج سلع أساسية أهمها الغذاء، ما يضطر الدولة لاستيرادها. من جانبه قال المركز المصري للدراسات الاقتصادية إن مصر تعاني من نقص في السيولة الأجنبية نتيجة تراجع الدعم الخارجي من الجهات المانحة واتساع عجز الموازنة على خلفية زيادة الواردات وتراجع الصادرات وانخفاض إيرادات السياحة وقناة السويس، كما تسببت قيود الحركة على رؤوس الأموال في ضعف تدفقات رأس المال وصعوبة الاستيراد من الخارج. بحسب المركز فإن علاج هذه المشكلات يتطلب إقامة تنمية صناعية مستدامة في ظل هيكلة اقتصادية لإقامة صناعات للإحلال محل الواردات من ناحية وتنمية التصدير من ناحية أخرى.
مشاركة :