سايكس - بيكو 2 - نجيب الخنيزي

  • 6/19/2016
  • 00:00
  • 25
  • 0
  • 0
news-picture

أدى غلبة النموذج الألماني لدى القوميين العرب إلى تشكل مفهوم تلفيقي وغير تاريخي للقومية العربية تنزع إلى التراث والماضي وتضيف عليها صفات مطلقة وخصائص ثابتة من جهة، وإلى محاولة تمثل الحداثة الغربية وإسقاط مفاهيمها (خصوصاً في المسألة القومية) بصورة ميكانيكية وانتقائية من جهة أخرى. وتكمن تلفيقية أو ضبابية الفكرة القومية العربية السائدة آنذاك، في أنها لم تأخذ بعين الاعتبار المسار التاريخي الخاص لظاهرة نشوء القوميات في الغرب وما يمكن أن يستخلص منها من التجارب والدروس، ونشير هنا إلى عملية التمايز والتجاوز والقطع الجذري مع الموروث الاقتصادي (الإقطاع) والديني (سلطة الكنيسة) والسياسي (الحكم المطلق) والاجتماعي (القروسطية)، والولوج في مسالك الحداثة الفكرية (النهضة والتنوير) والحداثة الاقتصادية (الصناعة والعلوم) والحداثة السياسية (دولة القانون والمؤسسات) والحداثة الاجتماعية (المجتمع المدني)، وإنهاء العلاقات التراتبية (العامودية) التقليدية باتجاه علاقات أفقية تقوم على أساس الاختلافات والتناقضات والصراعات الاجتماعية والسياسية والأيدلوجية والثقافية. الأكيد أن تلك المعطيات تطلبت مرحلة تاريخية طويلة (أكثر من ثلاثة قرون) لعبت فيها البرجوازية الغربية الدور الحاسم في ترسيخ الوحدة الكيانية والمجتمعية وتبلور الهوية القومية والثقافية الخاصة التي تجسدت في مفهوم الدولة -الأمة، في حين واجه الفكر القومي العربي واقع التجزئة لكيانات عدة (22 دولة) وغير موحدة في تاريخها (إذا استثنينا الدولة العربية/ الإسلامية في أوج ازدهارها والتي دخلت مرحلة الانهيار بعد القرن الرابع الهجري) وتعمقت هذه التجزئة طيلة فترة السيطرة العثمانية والهيمنة الاستعمارية المباشرة وغير المباشرة ، وبعد قيام الدولة القطرية إثر معارك الاستقلال والتحرر الوطني حيث استمر انقطاع أو ضعف الروابط والصلات ما بين الدول والمجتمعات العربية ووقوعها بدرجات متفاوتة أسيرة للتبعية والإلحاق والتخلف على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. لقد ظل الفكر القومي يراوح أزمته بين استحضار الماضي المزدهر التليد أو القفز إلى المستقبل حيث الفكرة القومية المنشودة التي ستحل كل المعضلات وتتجاوز كل المعيقات التي تمنع قيام دولة عربية حديثة واحدة تمتد من المحيط إلى الخليج، سواء تم ذلك عن طريق الـ»حرية - الاشتراكية - الوحدة» التي طرحها القوميون العرب والناصريون، أو الـ»وحدة - حرية - اشتراكية» التي طرحها البعث أو عن طريق مفهوم الأمة الإسلامية التي طرحها الإخوان المسلمون، أو وحدة الجماهير العربية الكادحة والطبقة العاملة العربية ذات التوجه الأممي التي طرحها الشيوعيون العرب. غير أن التجربة والواقع أكدا بما لا يدع مجالا للشك أنه في عدد من الدول العربية التي نجح فيها القوميون أو الإسلاميون أو الاشتراكيون في الوصول إلى السلطة أو التأثير فيها سواء عن طريق الانقلاب العسكري في عدد من البلدان المهمة (مصر, سوريا, العراق, اليمن, السودان, ليبيا) أو عن طريق الثورات الشعبية ضد الاستعمار كما حصل في الجزائر واليمن الجنوبي، ومع انها كانت تستند في البداية إلى تأييد والتفاف شعبي عربي واسع كان يؤمن عن قناعة بالفكرة القومية والوحدة العربية باعتبارها الطريق الوحيد لبناء الدولة العربية الواحدة القوية والمقتدرة والتي ستحقق الحرية والعدالة والمساواة والتقدم للأمة العربية، غير أن تلك الشعارات الكبرى التي رفعت والأهداف العظيمة التي طرحت سرعان ما وصلت إلى طريق مسدود وجرى الالتفاف عليها والتراجع عنها في مراحل لاحقة. للحديث صلة. مقالات أخرى للكاتب سايكس - بيكو 2 سايكس - بيكو 2 عولمة اللا مساواة.. المنطقة العربية مثالاً «3-3» عولمة اللا مساواة.. المنطقة العربية مثالاً «2» عولمة اللا مساواة.. المنطقة العربية مثالاً

مشاركة :