منذ تحولت رواية إمبرتو إيكو (اسم الوردة) إلى فيلم ورواية (كازنتزاكي زوربا) دخل النقاد في جدل حول إضافة الشاشة للعمل الإبداعي من عدمها وتطويرها من سلبها لروح النص وإحراقها متعة التشويق القراءة والتخيل للأحداث. عربيا عرفنا تجارب روائية درامية من خلال نجيب محفوظ وإحسان عبدالقدوس، وحضر السيناريست وحيد حامد بمهارته في إعادة كتابة الأعمال الروائية دراميا ولعل آخرها «عمارة يعقوبيان» لعلاء الأسواني، فيما لا ينسى المشاهد العربي أسامة أنور عكاشة باعتباره أشهر من كتب سيناريوهات مسلسلات وأفلام عربية بحرفية عالية. ومع تنافس الشاشات على تقديم أعمال رمضانية تتكئ على روايات سردية لم تكتب لتمثل ينفتح باب الجدل، خصوصا أن هناك ملاحظات على مسلسل ساق البامبو عن رواية بذات الاسم لسعود السنعوسي، فيما تواترت الإشادة بمسلسل أفراح القبة المستوحاة من عمل لنجيب محفوظ. وعزا روائيون ونقاد نجاح تحويل الأعمال الروائية إلى الدراما التلفزيونية٬ أو فنون أدائية أخرى إلى وعي وإدراك كاتب السيناريو المؤهل لتحويل النص المقروء إلى مرئي أو مسموع٬ بأمانة وصدق. من جهته، وصف الناقد محمد العباس تحويل رواية ساق البامبو إلى مسلسل درامي بالخسارة كون العمل الرائع رمي بين فكي (شوجي) لتلوكها وتبتذل معانيها الكبيرة. وحمل كاتب الرواية سعود السنعوسي الكثير من المسؤولية كونه قبل العبث الذي طال الرواية وأبطل مفاعيلها الفكرية والأدبية، مع إقراره بفرادة الرواية وجودتها إلا أن تحويلها إلى دراما أساء لها. فيما تتمسك الروائية مها باعشن بحقها في كتابتها لسيناريو أعمالها التي سيتم تحويلها إلى أعمال درامية، ما يحجم الابتعاد عن روح النص ويحافظ على العمود الأساس فيه، وترى أنه عندما يتحول النص الإبداعي إلى عمل درامي يصبح عملا جماعيا يشارك فيه المنتج والمخرج والممثل والموسيقي. مشيرة إلى أن كتابة النص الإبداعي يقوم على فرد يمنح الشخصيات الإحساس الذي يراد إيصاله إلى المتلقي. ويعيش الروائي جمال ناجي تجربة حية عند تحويل روايته (مخلفات الزوابع الأخيرة) إلى مسلسل درامي تلفزيوني، مؤكدا أن العمل الدرامي يحتاج إلى بعض التغييرات في النص الأدبي من أجل مقاربة النص الورقي من النص المرئي. وعد من الصعوبة بمكان التمثل الكامل للحالة التي تتناولها الرواية، مشيرا إلى أن النجاح نسبي؛ كونه يوجد في الرواية ما لا يمكن تمثيل، منها المؤثرات النفسية لدى الشخصيات، التي تعكس عليها المسألة النفسية الخارجية بشكل بسيط ومن الصعب إبرازها بشكل كامل. وشدد ناجي على أهمية توفر كاتب السيناريو الذي يفهم متطلبات وطبيعة العمل الروائي والدرامي، إضافة إلى وعي طاقم العمل الذي يجعل العمل الدرامي يرتقي إلى المستوى العمل الإبداعي. وقدرته على استئصال البينة الدرامية من داخل العمل الروائي، مشددا على أهمية امتلاك كاتب السيناريو وعيا بحرفة الفن الروائي، ليكون قادرا على تجسير الهوة بين العمل الروائي والدرامي، وقارن ناجي بين عالمنا العربي وبين العالم الغربي، إذ عندما يتم تحويل نص عالمي إلى عمل درامي لا نشاهد فروقات كبيرة بين العملين. من جهته كشف الناقد نزيه أبو نضال أن النجاح الكبير الذي حققه المسلسل التلفزيوني (نهاية رجل شجاع) لنجدت أنزور المأخوذ عن رواية بالاسم ذاته للروائي السوري حنا مينا يعود إلى اعتماده على لغة الصورة وأداء الممثل والموسيقى التصويرية. موضحا أن لغة الرواية لغة التخييل والنمنمات الصغيرة والشروحات والتفاصيل، مشددا على ضرورة المعالجة الدرامية، ويصفها بعلم قائم بذاته ويحاكم وفق خصائصه لا بمقارنته بأصله الروائي. فيما ترى الناقدة الدكتورة أميرة كشغري أن الرواية عمل إبداعي نصي يقوم على الخيال والوصف والحوار، بينما العمل الدرامي إبداع يعتمد على الصورة والسيناريو والتصوير والمونتاج والاستفادة من الأدوات التقنية. وتؤكد أن المقارنة بينهما غالبا لا تكون موضوعية، ولا تأخذ في الاعتبار متطلبات جنسين أدبيين مختلفين في الخطاب والشكل والإمكانات. وأضافت يبدو لي أن ما يثار حول تأثر قيمة العمل الإبداعي عند تحويله إلى عمل درامي فيه كثير من الخلط والمبالغة سواء كان تقييمنا لهذا التحول سلبيا أو إيجابيا. لافتة إلى أن النجاح في تحويل الرواية إلى عمل درامي يعتمد على عناصر عدة من أهمها جودة السيناريو وقدرة كاتبه على إيصال جماليات العمل الروائي وتعزيزها بإمكانات الصورة السينمائية الهائلة التي تثري العمل وتنزله من المتخيل إلى الواقع، مشيرة إلى أن من أسباب فقد العمل الروائي بعضا من عناصره أو كسب عناصر إبداعية جديدة يعتمد على مستوى الممثلين والسيناريو الجيد والتصوير والإخراج والمونتاج والموسيقى التصويرية المصاحبة للأحداث.
مشاركة :