في الأسبوع الماضي، سرق أحد أعضاء مجلس الشورى السعودي الأضواء في مواقع التواصل الاجتماعي، بسبب مطالبته برفع سعر الخبز إلى ريالين، وانفجرت الاحتجاجات في وجهه، وصبّ كثير من المغردين حنقه عليه، وتجاوز بعضهم إلى ركوب موجة العنصرية للأسف الشديد، أمام الأسى الذي أمرّهم وأغضبهم. هؤلاء المحتجون -في الجملة- على حقّ، فعضو مجلس الشورى في النهاية هو ممثل الشعب لدى الدولة، وهو الملزم بأخذ قضايا المواطن السعودي وتبنيها أمام الدولة، وقضية المطالبة برفع سعر الخبز في هذا الوقت، مطالبة جانبها الصواب تماما. وأتعجب كيف تغيب الأوضاع التي عليها مجتمعاتنا الخليجية مع انخفاض سعر البترول على هذا العضو، وكيف لم يرَ شدّ الحزام الذي تقوم به الدول بسبب تأثيرات ذلك على ميزانياتها، ما جعلها تتخذ حزمة إجراءات اقتصادية ستؤثر من قريب أو بعيد على دخل المواطن، وعضو الشورى أتى على أهم وأغلى سلعة لدى كل الشعوب عبر التاريخ، ليطالب برفع سعرها، ويوجع المواطن في لقمته، ويفجعه في آن واحد. بالتأكيد أن مسألة تعيين أعضاء مجلس الشورى أعادها الناشطون والحقوقيون عقب هذه الحادثة، وكرّروا الحجة المنطقية: طالما أن هؤلاء الأعضاء معيّنون، فلن يروا إلا مصلحة من عيّنهم، ومغازلته والتزلف له أملا بتجديد عضويته. عكس لو كان منتخبا، فإنه سيراعي المواطن الذي أوصله لهذا الكرسي، ويتبنى بجدية تامة مطالبه، ويدافع عنها، أملا هذه المرة في رضاه، وكسب صوته أخرى، فوجوده في هذا المنصب إنما هو بفعل صوت هذا المواطن. ليتكم تدخلون على محرك البحث جوجل، وتبحثون عن بعض مطالبات ممثلي الشعب من أحبتنا أعضاء مجلس الشورى السعودي، وستلجمكم النتائج وستدهشون، واقرأوا كنموذج هذه العناوين السريعة: عضو شورى: غير راض عن الزيادة الحالية للبنزين.. ويجب رفعها للأسعار العالمية عضو شورى يطالب بحجب مكافآت طلاب الجامعات عضو شورى يهاجم الكاتب عبدالحميد العمري.. ويطالب «المجلس» بحجب مقالاته عضو بمجلس شورى يطالب بعمل السعوديات في البقالات عضو شورى يُطالب بالسماح للمرأة بقيادة الدراجة عضو شورى يؤكد على عدم إلزامية الدولة بتمليك السكن للمواطن من الإنصاف أن نشير إلى أن ثمة مطالبات عديدة لأعضاء آخرين كانت تصب في صالح المواطن، وهو المطلوب من عضو الشورى لو فقه واجبات الكرسي الذي يجلس عليه في تلك القبة الشهيرة. وقبل أن تأخذنا الحماسة لقضية الانتخاب، وتعليق الآمال بأنها الحلّ الأمثل لإيصال صوت المواطن، فإننا في المقابل تابعنا بكثير من خيبة الأمل عضوين منتخبين من أعضاء مجلس الأمة الكويتي في الأسبوع الأول من رمضان هذا العام، وهما ينهالان بـالنعال على أحد النواب المعترضين، في مقطع يجعل مثلي يحوقل طويلا على حال هذا المجلس الذي كان فخر الكويت لعقود طويلة. وبالمناسبة، لمجلس الأمة الكويتي المنتخب تاريخ مجيد أيضا في هذه الهوشات الجماعية، والاشتباكات بالأحذية والعُقل، من سنوات طويلة كانت للأسف عقبة كأداء أمام انطلاق مسيرة التنمية فيها، وتأخر الكويت الحالي إنما هو بسبب مجلس الأمة المنتخب أعضاؤه، وإن كان للمجلس بالتأكيد دور فاعل في إيقاف صفقات أسلحة وغيرها من الصفقات التي شابها الفساد الكبير، بل وقدم شخصيات كبيرة لها نفوذها من الأسرة الحاكمة للمحكمة، وكشف بشجاعة وجسارة تورط هذه الشخصيات في قضايا الفساد، ولا ننسى دور مجلس الأمة التاريخي عقب موت أميرها الراحل جابر الأحمد، وحسم هوية أمير الكويت لصالح أميرها الحالي صباح الأحمد على حساب ولي عهدها سعد العبدالله الصباح وقتذاك، وجنب الكويت الحبيبة أزمة حكم حادة، كادت تعصف بالعائلة الحاكمة. لو خرجنا من العباءة الخليجية، وذهبنا للبرلمان المصري، نتذكر حادثة قريبة لعضو البرلمان أحمد الطنطاوي الذي دخل للقاعة وهو يلبس تي شيرت، وبعدها حادثة ضرب توفيق عكاشة بالجزمة، ولا تملك إلا أن تضحك من حوادث البرلمان المصري التي لا تنتهي، لأتحول معكم إلى برلمان الأردن الذي شهد اشتباكا بالأحذية وتبادل النواب اللكمات والضرب، وانتهى في الجلسة التالية أن أطلق عضو برلمان النار من رشاش -هرّبه لداخل المجلس- على زميله الذي تعارك معه في الجلسة الأولى. أتمنى على كل الأحبة الحقوقيين المنادين بالانتخاب، الدخول على محرك البحث، وكتابة الجملة: برلمانات العالم: اشتباكات.. ومطاوى.. وقنابل مسيلة للدموع، ستهولكم مقاطع الفيديو والأخبار عن برلمانات كل العالم، والمعارك الضارية التي تحصل داخلها، في تأكيد لمثلي أن هؤلاء لا يمثلون واجهة حضارية لبلد يريد التنمية والصعود في ترتيبها العالمي بسلم الحضارة الإنسانية. أتصور أنه آن الأوان، ونحن نعيش مرحلة رؤية السعودية 2030، والتي أصرّ فيها على الأمير الشاب ولي ولي العهد محمد بن سلمان، الذي قاد المبادرة بشجاعة لافتة، أن تواكب هذه الرؤية شهود مرحلة انتخاب نصف أعضاء مجلس الشورى السعودي، وتعيين النصف الآخر من ذوي الكفاءات التي تحتاجها الرؤية الواعدة، وبذلك حققنا الهدف باستبعاد الأعضاء المتزلفين إياهم، وإيصال من يمثل صوت الشعب وينوب عنه، والذي يختاره بنفسه ويوصله لقبة الشورى، وفي ذات الوقت، تقوم الدولة بإيصال التكنوقراط الحقيقيين الذين يثرون المجلس في المجالات التي تحتاجها الرؤية. كلنا خلف الأمير الشاب في هذه الرؤية الواعدة، بيد أن توسيع مجال الحريات في الإعلام وحقوق الإنسان ومشاركة الشعب في الرؤية ستقفز باحتمالية النجاح لمؤشرات أعلى. دكتور عبد العزيز قاسم الشرق القطرية
مشاركة :