على رغم خروج ديبلوماسيين أميركيين نفد صبرهم من سياسة الرئيس باراك أوباما ازاء الحرب في سورية، إلا أن محللين يستبعدون أي تغيير جذري في الأشهر الأخيرة المتبقية من ولايته الرئاسية. وأسفر النزاع عن مقتل أكثر من 280 ألف شخص ونزوح الملايين، كما أن البلاد تعاني من القصف المتواصل بالقنابل العنقودية والبراميل المتفجرة بالإضافة إلى استخدام الأسلحة الكيماوية وجرائم القتل والاغتصاب والتعذيب. وعندما تتمكن المساعدات الإنسانية من بلوغ المدن المنكوبة بصعوبة فإن نظام الرئيس السوري بشار الأسد يبادر إلى «معاقبتها» بقصف سريع، كما يقول معارضون. ويقول مسؤول أميركي إن «أفعال النظام السوري تتحدى أي تعريف لكرامة الإنسان». وهناك مؤشرات تنذر بأن النظام يسعى إلى الحد من إنتاج المواد الغذائية. ويقول مسؤول أميركي آخر: «كلما اعتقدنا أننا بلغنا القاع في سورية، نشعر بحركة ضعيفة من الأسفل». وتؤكد الإدارة الأميركية على رغم كل ذلك أن النظام السوري وحليفيه الروسي والإيراني وحدهم من يستطيع وضع حد للفوضى العارمة. لكن وبعيداً من الإعلام، يقر المسؤولون الأميركيون وبينهم ديبلوماسيون مخضرمون بأن عجزهم عن وقف مذابح مستمرة منذ خمس سنوات يُثقل على ضمائرهم، ويقولون إنه وبغض النظر عما سيحصل لاحقاً فإن النزاع في سورية ترك وصمة عار على سنواتهم في الخدمة العامة. وقال 51 ديبلوماسياً أميركياً في مذكرة تم تسريبها عمداً: «الأمر يكفي عند هذا الحد»، وشددوا على أن إدارة أوباما مسؤولة أخلاقياً عن وقف حمام الدم. وبرأيهم فإن الرئيس الأميركي عليه أن يشن حملة غارات جوية ضد النظام السوري لحمله على خوض مفاوضات فعلية. إلا أن البيت الأبيض سارع إلى إعلان أنه ليس مستعداً لمثل هذا التغيير الكبير في سياسته. وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض جنيفر فريدمان رداً على مذكرة الديبلوماسيين: «الرئيس قال دائماً بوضوح إنه لا يرى حلاً عسكرياً للأزمة في سورية وموقفه لا يزال على حاله». وبعد التداعيات الكارثية لحرب العراق، يلتزم البيت الأبيض مبدأ أن الولايات المتحدة يجب ألا تحل كل الأزمات في العالم. وحاولت إدارة أوباما خصوصاً تفادي الخوض في مشكلات الشرق الأوسط وحددت المصالح الأميركية في سورية بأنها جزء من عملية مكافحة الإرهاب للقضاء على تنظيم «داعش». وترك ذلك وزير خارجيتها جون كيري أمام مهمة لا يحسد عليها، لا بل ربما مستحيلة بالتفاوض لحل الأزمة من دون نفوذ في المقابل. والمسؤولون في روسيا وفي سورية على علم تام بتردد أوباما وباتوا متفوقين ميدانياً، ولذلك لا يرون حافزاً للتوصل إلى اتفاق، كما يقول محللون. وبدأ إحباط الديبلوماسيين من الالتزام بهذا المبدأ منذ سنوات، فقد استقال فريدريك هوف المستشار السابق حول سورية من إدارة أوباما احتجاجاً في العام 2012. وقال هوف إن سياسة اوباما تعاني من «فراغ أخلاقي وفساد سياسي»، وأضاف أنها «تترك مدنيين أبرياء تحت رحمة سفاح من دون شفقة». ويواصل النظام السوري وحليفته روسيا انتهاك هدنة شارك كيري في التوصل إليها، إلا أن منتقدي سياسة أوباما يقولون إن التمييز بين هدنة غير كاملة وعدم وجود هدنة يزداد صعوبة يوماً بعد يوم. كما أن جهود كيري لإقناع روسيا بإرغام الأسد على التنحي باءت بالفشل وموسكو لا تزال إما غير قادرة أو غير راغبة في المساعدة. وسعى الديبلوماسيون بتسريبهم للمذكرة خلال عام انتخابي إلى حمل أوباما على إعادة النظر وربما يعثرون على حلفاء خارج واشنطن. فجهود وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ووزارة الدفاع لمساعدة المعارضة السورية على الصمود تتراجع على رغم التقدم في الحملة العسكرية ضد «داعش». لكن السؤال هل ستكون إدارة بقيادة المرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون أكثر ميلاً نحو التصدي لنظام الأسد ولنفوذ روسيا وإعادة فرض هيبة القوة العسكرية الهائلة التي تتمتع بها الولايات المتحدة؟ هناك مؤشرات إلى أن روسيا تريد ألا يكون للرئيس الأميركي المقبل سوى خيار بين نظام الأسد أو المتشددين. فقد استهدفت روسيا أخيراً مقاتلين تدعمهم الولايات المتحدة ولا يشاركون في المعارك ضد النظام السوري. ويقول فيصل العيتاني المحلل السوري لدى مركز «أتلانتك كاونسل»: «إنها مجموعة قبلية صغيرة قامت الولايات المتحدة بتجهيزها في شكل جيد وكلفتها طرد تنظيم داعش من شرق سورية». وأضاف العيتاني أن هذه المجموعة «هي أقرب ما يكون لتعريف مجموعة بالوكالة».
مشاركة :