شوهدت عشرات الشاحنات التي تقل آليات الحفر ومواد البناء، وهي تتقدم باتجاه الجنوب الغربي، نحو الحدود مع قطاع غزة، حيث سيبدأ العمل في مطلع الأسبوع بعد المقبل، في بناء سور ضخم من الباطون يمتد بضعة أمتار فوق الأرض وعشرات الأمتار تحتها، ما بين إسرائيل وقطاع غزة. ويمتد هذا السور على مسافة 60 كيلومترا، وسيبلغ ارتفاعه فوق الأرض 5 - 6 أمتار، ويبنى في العمق تحت الأرض إلى 30 مترا وربما أكثر. والغرض منه هو محاربة الأنفاق التي بنتها حماس وما زالت تبنيها، والتي تمتد مئات الأمتار وراء الحدود الإسرائيلية. ويرمي مقاتلو حماس استخدامها لتسلل مسلحين من طرفهم لاختطاف مواطنين أو جنود إسرائيليين. وستبلغ تكلفة هذا المشروع 2.2 مليار شيقل (578 مليون دولار). وهو سيكون ثالث جدار حدودي يقام بين إسرائيل وقطاع غزة منذ احتلاله في العام 1967. فقد أقيم الجدار الأول في سنة 1994. إثر توقيع اتفاقيات أوسلو، لكنه كان سياجا عاديا جرى تعزيزه بكاميرات مع نشوب الانتفاضة الثانية. وأعيد بناء الجار في سنة 2005. بعد الانسحاب الإسرائيلي من طرف واحد من القطاع، وتمت تقويته بسياج متين وشائك وزرعه بأجهزة رادار ومجسات. لكن هذا الجدار لم يمنع تسلل فلسطينيين من القطاع إلى إسرائيل. وخلال الحروب العدوانية الثلاثة الأخيرة على القطاع (سنة 2007 وسنة 2012 وسنة 2014)، جرى الكشف عن طريق اختراق جديدة للحدود الإسرائيلية هي الأنفاق، التي تحفرها حماس عميقا تحت الأرض، وتصل فيها إلى مئات الأمتار داخل إسرائيل. وقد بدأ المواطنون اليهود القاطنون في البلدات المحيطة بقطاع غزة، معركة لإلزام الحكومة بإيجاد وسيلة مناسبة لمنع خطر الأنفاق، وزادت حدة هذه المعركة خلال الحرب الأخيرة على القطاع قبل سنتين، إذ تمكنت فرقة كوماندو من حماس من التسلل إلى مدخل بلدة يهودية وكادوا يخطفون رهائن. وقررت الحكومة تعيين لجنة خبراء تعمل مع سلاح الهندسة في الجيش هدفها إيجاد حلول جذرية. وبدأت قيادة الجيش تميل إلى فكرة وضع مجسات تستشف الخطر من حفر الأنفاق، قبل الانتهاء من إعداد النفق. وقالت إنها عثرت على وسائل لمحاربة الأنفاق حتى قبل إنجاز عملية حفرها. ومنذ الثاني من يناير (كانون الثاني) العام الحالي، بدأنا نسمع عن أنباء انهيار أنفاق في أثناء الحفر، ومقتل حافريها تحت الردم. فقتل أول مرة 7 فلسطينيين في نفق قرب خانيونس، وبعد شهر قتل فلسطينيان اثنان بانهيار نفق يقع في وسط غزة، ثم في اليوم التالي 3 فبراير (شباط) ، قتل اثنان آخران. وفي نهاية الشهر نفسه، قتل 9 فلسطينيين. وفي شهر مارس (آذار) قتل 14 فلسطينيا في أربع عمليات انهيار. وفي شهر أبريل (نيسان) انهار نفق آخر فقتل خمسة فلسطينيين. وانتشرت ظاهرة جديدة، بهرب بعض العاملين في الأنفاق من قطاع غزة ولجوئهم إلى إسرائيل، لآخرهم هرب قبل أسبوعين هو وزوجته وأولاده. وقدموا معلومات وصفت في إسرائيل، بأنها «كنز» يكشف عن طرق الأنفاق وأماكنها. لكن رؤساء البلديات في البلدات المحيطة، لم يقتنعوا بجدوى هذه الوسائل. واستدعوا خبراء من القطاع الخاص، فأوصوا بإقامة سور من الباطون يضرب عميقا في الأرض على طول الحدود. ويقول ألون شوستر، رئيس المجالس الجنوبية إن الحل ينبغي أن يكون جذريا ويعالج ظاهرة الأنفاق وظاهرة التسلل. ففي كل يوم تقريبا، يتسلل غزيون إلى إسرائيل، بحثا عن العمل وليس مستبعدا أن يتم استغلالهم وتجنيدهم لتنفيذ عمليات ضد إسرائيل. وأما الأنفاق، فإن الحلول المبدعة التي يقدمها جيشنا رائعة، ولكنها لا تجلب حلا نهائيا. ولا بد من بناء السور فوق الأرض وتحتها. وقال شوستر إنه ورفاقه الرؤساء، اجتمعوا مع نتنياهو بحضور قائد اللواء الجنوبي في الجيش، فأكد هو الآخر دعمه للسور، وكشف أن العائق حاليا هو في تكريس ميزانية للمشروع. وفي الأسبوع الماضي، تبنت الحكومة هذا المشروع وتقرر المباشرة في بناء الجدار في الثامن والعشرين من الشهر الحالي. وقد أثار القرار حفيظة التنظيمات المسلحة في القطاع، خصوصا كتائب عز الدين القسام (التابعة لحركة حماس)، وسرايا القدس (التابعة للجهاد الإسلامي) وكتائب شهداء الأقصى (التابعة لحركة فتح)، فأعلنت جميعها عن نيتها منع تنفيذ المشروع بالقوة. وردت إسرائيل عبر مسؤول رفيع في الجهاز الأمني، الذي استدعى كبار الصحافيين الإسرائيليين وهدد أمامهم بتصفية حكم حماس. وقال لهم: «المواجهة المقبلة، إذا وقعت، يجب أن تكون الأخيرة من ناحية سلطة حماس». وحسب المصدر، الذي تحدث إلى الصحافيين على خلفية تسلم ليبرمان لوزارة الأمن، فإن «حماس هي تهديد متزايد، وكل المحاولات للنظر إلى حماس كجهة يمكن التوصل معها إلى تفاهمات، هي هراء، فهدفها هو تدمير دولة إسرائيل». مع ذلك، وحسب المصدر، فإن «المشكلة الرئيسة التي تواجه إسرائيل، هي أبو مازن. حسب المصدر نفسه الذي قال، نحن أقوياء على الحلبة العسكرية وضعفاء على الحلبة السياسية. هذه هي بطننا الرخوة، وأبو مازن يستغل ذلك لصالح الإرهاب السياسي ضد إسرائيل». وحسب أقواله، فإن «رئيس السلطة ليس معنيا بالتقدم السياسي مع إسرائيل، ولا يملك قوة التوقيع على اتفاق. من أجل التوقيع على إنهاء الصراع يحتاج إلى الكثير من القوة والدعم».
مشاركة :