في حلقة «صراع الحضارات» من مسلسل سيلفي2، يتزوَّج رجل سعودي من فتاة أمريكية/سعودية، وعلى الرغم من افتتانه بجمالها الغربيّ، إلاَّ أنَّه قارب على التراجع عن الارتباط بها حين صرَّحت له بأنَّها لا تجيد الطبخ، ثمَّ اقترحت عليه أن يقوم هو بتحضير الأكلات التي يُحبُّها. انزعج الرجل جدًّا من هذه الإهانة، وصرخ في وجهها ووجه والدها بأنَّه «رجل شرقي لا يمكن أن يقوم بالطبخ» الذي هو من شؤون المرأة الحصريَّة، لكنَّه ابتلع كرامته (من أجل عيونها الزرقاء) وتنازل. على برنامج سناب شات أتابع عددًا من الطلبة المبتعثين للخارج، وأجدهم يذهبون إلى الأسواق ويشترون الخضار، واللحوم، والأرز، ثم يُصوِّرون لنا مراحل تحضير وجبات الأكل لأنفسهم، ولأصدقائهم.. نعم.. يقطِّعون البصل والطماطم، ويغلون الماء، ويقدحون الزيت.. ويطبخون كل شيء، وليس فقط الكبسة، ويرفعون الصور لكلِّ المتابعين متباهين ببراعتهم بشكل يومي. وقد ينقلون لهم عمليَّة الطبخ الجماعي، وهم في قمة السعادة، وينتظرون أن تنضج الصواني في الفرن، وهم يُطبِّلون ويغنُّون من حوله فرحين مستبشرين. كل أم يبتعد عنها ابنها تظن أن المسكين يتضوَّر جوعًا أو أن بطنه قد جفَّ من أكل الهامبرجر، لكن كل هذا غير صحيح، فهو يطبخ ويأكل وجبات بيتية صحيَّة. والشباب يُحبُّون الرحلات البريَّة، ويذهبون جماعات إلى الصحراء، حيث يبيتون بعيدًا عن منازلهم، وطبعًا حين يحين وقت الأكل فالشباب أنفسهم يظهرون مواهبهم الخفيَّة ويتولّون الطهي والشواء، وتحضير السلطات والحلويَّات. بل ومن الشباب من لا يخجل أن يعلن حبَّه للطبخ، ثم يتخصَّص فيه بالدراسة في مدارس خاصة في أوروبا وأمريكا، ويعلن على الملأ أنه «شيف» قدُّ الدنيا، ويعمل في هذه المهنة، وقد يظهر في برنامج تلفزيوني يستعرض فيه مهاراته على الملأ. ثمَّ إنَّ الشرقي إذا تزوَّج أجنبيَّة فهو لا يجد حرجًا كبيرًا في دخوله المطبخ، وإعداد الطعام لعائلته الصغيرة، خصوصًا حين يشتاق إلى أطباق لا تعرفها زوجته، لكنَّه في كل الأحوال لا يمانع في أن يعاونها في كل الواجبات المنزليَّة كونها أجنبيَّة. لكنَّه حين يتزوَّج الشرقيَّة فالأمر مختلف تمامًا. في الخارج، حين يكون الطالب أعزبَ فهو يحمل كل أعباء منزله من تنظيف، وغسيل، وطبخ، حتَّى إن تزوَّج بفتاة من بلده، جعلها تتولَّى تلك الأعباء وحدها، واضَّجع على الأريكة مدَّعيًا أنَّه رجلٌ شرقيٌّ لا يطبخ! كل المطاعم في الأسواق الشرقيَّة يطبخُ فيها رجال، كلّ المغاسل ينظِّف فيها الملابس، ويكوونها رجال، كل المرافق العامَّة يكنسها، ويلمِّعها رجال، وكل هؤلاء الرجال يعودون لمنازلهم مُطالبين النساء أن يقوموا بذات الأعمال؛ لأنَّها من خصوصياتهنَّ، ومناسبة لطبيعتهنَّ، وتأبى كرامتهم الذكوريَّة أن تُهانَ لو رفعوا إصبعًا لمساعدتهنَّ خوفًا من اختلال التوازن البيئي -لا قدّر الله-. حين تخرج المرأة للعمل تسمع مقولات عجيبة عن كونها تزاحم الرجال في مهن رجاليَّة، بينما الرجل يمتهنُ كلَّ ما اختصَّت به المرأة، وأبدعت على مر العصور، ويطير به في عالم الرجال؛ ليصبح على يديه (بيزنيس) محترمًا يدُرُّ عليه الأرباح. لكنَّه يزُجُّ المرأة بين أربعة جدران، ويرقبها من عليائه وهي تمارس ذات المهن له وحده كواجب زوجيّ، لا مقابل له، ولا بريق، ولا احترام. ثم يأتي من يُقيِّم تجربة المرأة في الحياة، ويُعيِّرها بأنَّها لم تُسهم في مسيرة التقدُّم البشريّ، وليس لها عطاءٌ يُذكر، ولا هي قدَّمت إنجازًا ذا قيمة، حتى فيما يخصُّها، فأفضل وأشهر الطبَّاخين (وخبراء الماكياج والأزياء) هم من الرجال. الرجلُ الشرقيُّ لا يطبخُ حقًّا... إلاَّ في غياب المرأة الشرقيَّة، وفي حضور فرصته الاقتصاديَّة؛ لتحويل الطبخ إلى عمل يدُرُّ ربحًا.
مشاركة :