«حل الدولتين» بمبادرة فرنسية: نتانياهو مضروباً بليبرمان يساوي «دولة يهودية»

  • 6/23/2016
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

عاد مشروع «حل الدولتين» ليأخذ مساره على هامش نكبة العالم العربي المتفجر من سورية الى العراق فليبيا واليمن، شاغلاً العالم بأسره. وقد جاءت المبادرة الى تحريك هذا الموضوع من الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، وهو كان دعا الى مؤتمر في باريس على مستوى وزراء خارجية الدول ذات الصلة والمسؤولية المباشرة وغير المباشرة، بالصراع العربي- الإسرائيلي. لكن المؤتمر الذي كان موعده في الثالث من حزيران (يوليو) الفائت لم ينجح فتأجل الى موعد آخر. لو لم تأت المبادرة من الرئيس الفرنسي لما كانت ذات أهمية. فموضوع «حل الدولتين» يعود الى نحو أربع عشرة سنة مضت، أي الى تاريخ المبادرة الأساس التي طرحها المغفور له الملك عبدالله بن عزيز على القمة العربية التي عقدت بحضوره في بيروت عام 2002. كانت تلك المبادرة خرقاً صاعقاً لمتاهة نكبة فلسطين منذ وقوعها في العام 1948 وما تبعها من حروب 1956 و1967 و1973، وما جرّت، ولاتزال تجرّ، من اعتداءات إسرائيلية على الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين. شاء المغفور له الملك عبدالله بن عبد العزيز في ذلك الوقت أن يضع رؤساء الدول العظمى وملحقاتها أمام امتحان وبرهان: أتريدون حلاّ سلمياً عادلاً ودائماً للنزاع العربي- الإسرائيلي تكون دولة إسرائيل جزءاً منه مقابل دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها في القدس على أرضها المقتطعة لها بعد حرب 1967؟ نحن حاضرون وجاهزون لنوقع اتفاقية سلام دائم بضمانات الأمم المتحدة، ولينعم العالم بالأمن والاستقرار والازدهار. كان المغفور له الملك عبدالله عندما أطلق تلك المبادرة وليّاً للعهد، أي أنه كان يملك ضمانة العهدين: عهد المغفور له الملك فهد بن عبد العزيز، وعهده هو، ومعه الأقطاب العرب في قمة بيروت. لكن عصابة الإجرام الصهيوني في الحكم، وفي الكنيست، لديها في الأساس قرار «إستراتيجي» يعود تاريخه الى ما قبل حرب 1948، وعنوانه «إسرائيل دولة يهودية». أي لا اعتراف بوجود شعب فلسطيني. فكيف يمكن أن تعترف بدولة لشعب تنكر وجوده؟! وسواء كان هذا الأمر واقعاً حقاً، وفعلاً، أو خرافة، فهذه هي إسرائيل على حقيقتها. وللبرهان والتأكيد ينبغي التوقف لاستعادة تفاصيل الوضع العربي منذ بدايات «ثورة تونس» في خريف العام 2010، وصولاً الى هذا اليوم. ست سنوات مضت حتى اليوم من الدم، والدمار، والشتات، على أنقاض دول وأنظمة عربية قامت على شعارات اقتلاع إسرائيل من أرض فلسطين ورميها في البحر. فأين سورية، والعراق، وليبيا، واليمن اليوم؟ وأين الجيوش؟ وأين تريليونات الدولارات؟ أين الأسلحة، وأساطيل البحر والجو؟. أين الشعب السوري، وأين الشعب العراقي، وأين الشعب الليبي، والشعب اليمني... وصولاً الى: أين الشعب الفلسطيني... وأين إسرائيل؟ منذ ما قبل نكبة فلسطين، وما قبل نشوء الكيان الصهيوني على أرضها، هناك كلمة واحدة لا تغيب عن نصوص السياسة العربية، كتابة، وخطابة، وشعراً: المؤامرة. وإذا لم يكن كل ما جرى، وما يجري، منذ ست سنوات حتى اليوم في العالم العربي مؤامرة، فكيف تكون المؤامرة؟ هل كان ذلك الشاب التونسي البائس (محمد البوعزيزي) متآمراً عندما أشعل في ثيابه النار حتى احترق في ذلك اليوم من تشرين الثاني (نوفمبر) 2010، احتجاجاً على تنظيم الشرطة محضر مخالفة بحقه؟ وهل كان موته سبباً لاشتعال تظاهرة احتجاج شعبية بدأت عفوية ثم استمرت وتطورت حتى شملت العاصمة التونسية وبعدها الضواحي والمناطق؟ هذا السؤال يتكرر منذ ست سنوات، ذلك أن «عملية البوعزيزي» كانت عادية، وقد سبقتها في سنوات مضت انتفاضات شعبية متعددة، وكانت تنتهي بتوقيف بضعة أشخاص، ثم يطلق سراحهم، ولا تتعطل حركة المرور. فمن الذي راح يعمم الحرائق في تونس، وكيف كان لتلك التظاهرات أن تحاصر رئيس الجمهورية زين العابدين علي، وماذا حدث حتى انهارت قوى الحراسة وعمت الفوضى وصولاً الى ترتيب خروج بن علي ليغادر البلاد آمناً؟ ثم، ماذا حدث لينفجر الشارع المصري، ويغادر حسني مبارك القصر الرئاسي الى السجن، وبعده معمر القذافي الذي وُجد قتيلاً في أحد المجاري، وبعد ليبيا اليمن، والعراق، وصولاً الى سورية حيث كانت الثورة على النظام في البدء «صبيانية» سلمية ليتبين بعد ست سنوات أن سورية هي الغاية في نهاية المطاف، وأن النظام هو المضمون، وأما البلاد والشعب والمدن والحصون والمخازن والثروات فإلى الهلاك، كل ذلك كي لا يبقى في سورية سوى قصر النظام شاهداً على اندثار وطن وشعب وتاريخ وتراث يعود إلى عصور منارات المدنيات والحضارات والعلوم والفنون في العالم. هنا يكمن سر حماية النظام السوري حتى النهاية المقررة لسورية التي لم تنجز خريطة مستقبلها بعد. فعلى ضوء خريطة مستقبل سورية سيعاد ترسيم خرائط دول بلاد الشام مع مطلع المئوية الثانية لخريطة «سايكس - بيكو». فهل هي مصادفة أن يحلّ مسلسل الكوارث العربية مع نهاية المئوية الأولى لتلك الاتفاقية؟. وهل لدى أي مرجع عربي، عالماً كان أو دولة، رؤية، أو تصوّر للدولة، أو للدول العربية التي سترى النور في العقد الثالث من هذا القرن؟ ربما كانت الدولة - الأمة الممثلة بإسرائيل المتمددة من أقاصي المحيط الأطلسي الى شرق البحر الأبيض المتوسط هي التي تملك تصوراً. ذلك أنها هي، في البداية والنهاية، رأس الحربة التي يعاد بها رسم خريطة المنطقة. ثمة علامات كثيرة على هذا التصوّر تبدأ من «التحالف الدولي» المؤلف من ستين دولة، في مقدمتها الدول الخمس العظمى، لغاية محددة هي: دحر التنظيم العسكري الإرهابي الخطير المتمثل بـ «داعش». هل كان لهذا التنظيم اسم أو أثر قبل ست سنوات، أي قبل بداية ما سمي ظلماً «الربيع العربي»؟ ستون دولة بجيوشها وأساطيلها الجوية والبحرية مؤتلفة لملاحقة هذا العدو المنفلش على خريطة الشرق الأوسط، وامتداداً الى أفريقيا، ولا يزال، منذ ست سنوات، يحارب بفصائل مشاة وانتحاريين، ولديه قواعد عسكرية تحت الأرض، وفوق الأرض، وغرف عمليات متنقلة، وآليات وشبكات صواريخ، ورادارات، ومدافع ثابتة ومتحركة، وقيادات وخطط عمليات تفوق قدرات جيوش دول عظمى. ست سنوات والحرب دائرة مع هذا العدو - الشبح، مع أن الحرب العالمية الثانية لم تدم أكثر من خمس سنوات. وست سنوات ولم يلحق بإسرائيل أدنى أذى. بخلاصة، وببساطة: إنها المؤامرة الكبرى لحساب «إسرائيل دولة يهودية»، ولا دولة سواها على أرض فلسطين. لكن الثغرة الكبيرة والخطيرة في هذا المسار الدولي المعقد والمربك هي في الموقف الروسي، دولة وقيادة ودوراً، إذ لم يسبق لموسكو أن دخلت في وفاق علني مع إسرائيل كما يجري حالياً بين الرئيس فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو وشريكه الجديد في العنصرية والإرهاب أفيغدور ليبرمان الذي انضم الى حكومة نتانياهو وزيراً للدفاع، وهو «الشيوعي السوفياتي» السابق الذي جاء الى القدس المحتلة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ليؤسس حزباً دينياً عنصرياً باسم «إسرائيل بيتنا». وكما يبدو، فإن نتانياهو يحرص على تأكيد إنسجامه، واحترامه، الرئيس الروسي بوتين، مقابل استخفافه بالرئيس الأميركي باراك أوباما. وهو قد زار موسكو أربع مرات خلال سنة واحدة، وفي كل مرة كان يعود أكثر تفاؤلاً واطمئناناً الى مواقف الرئيس الروسي. ثمة تساؤلات كثيرة تدور حول العلاقات المستجدة والمتينة بين بوتين ونتانياهو، أهمها ما يتعلق بالحفاظ على النظام السوري. الى متى؟... ربما حتى نهاية المؤامرة بتصفية الكيان السوري كدولة موحدة. فمع نهاية دولة سورية وشعبها المؤتلف بكل الأديان والمذاهب الروحية والسياسية والتاريخية تبدأ مرحلة قيام إسرائيل دولة يهودية على أراضي فلسطين. هو حلم إسرائيل الأسطوري الذي بات قائماً على قاعدة: نتانياهو مضروباً بليبرمان يساوي: إسرائيل دولة يهودية. هل تنجح المؤامرة في مرحلتها الجديدة؟ لننتظر نتائج المبادرة المباركة التي بدأها الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند بالدعوة الى عقد مؤتمر دولي يتعهد إحياء مشروع «حل الدولتين» الذي أقرّه مؤتمر القمة العربية في دورته التي عقدت في بيروت عام 2002، ثم تبناه الرئيس الأميركي بارك أوباما خلال السنة الأولى من ولايته، وأعلنه في زيارته مصر سنة 2008. ولكن، لا بدّ من انتظار الرئيس الأميركي الجديد المنتظر في مطلع السنة الآتية 2017. ومع الانتظار تتراكم الأسئلة الثقيلة التي تختصر بسؤال واحد: متى تنتهي محنة ذاك «الربيع العربي» الأحمر، أو الأسود. لكن قبل التفكير بالحل الصعب، بل المستحيل، مع الأعداء الألداء، أليس الأولى ان يتم الصلح بين «الدولتين» الشقيقتين رام الله وغزة؟! * كاتب وصحافي لبناني

مشاركة :