وسط الصور المأساوية التي تناقلها وسائل التواصل الاجتماعي من مدن حلب في سوريا، مرورًا بتلك التي التقطت في الفلوجة، دون استثناء الانفجارات في ليبيا والأردن وحتى لبنان، ناشد الأمين العام بان كي مون كل شعوب العالم كي تحول احتفالات يوم اللاجئ العالمي أو اليوم العالمي للاجئين إلى مناسبة للقضاء على أسباب اللجوء القاهرة التي ترغم شخصا ما على النزوح إلى بلد آخر، وفي أحيان كثيرة إلى المجهول. وكما هو معروف فقد خصصت الأمم المتحدة 20 يونيو من كل عام، يومًا للوقوف على واقع اللاجئ في العالم، حيث يجري استعراض هموم وقضايا ومشاكل اللاجئين والأشخاص الذين تتعرض حياتهم في أوطانهم للتهديد، وتسليط الضوء علي معاناة هؤلاء وبحث سبل تقديم المزيد من العون لهم وذلك برعاية من المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة (UNHCR). ووفقًا لتقرير نشرته المفوضية في العام 2015، بمناسبة مرور 15 عامًا على تحديد هذا اليوم فقد بلغ عدد اللاجئين والنازحين حول العالم بسبب الصراعات والاضطهاد نحو ستين مليون شخص، بينهم حوالي 20 مليون لاجئ وأكثر من نصف هؤلاء من الأطفال. وحينها وجهت المفوضية انتقادات لاذعة للمجتمع الدولي بسبب ما وصفته بـ التقاعس المخزي للمجتمع الدولي، الذي يشهد أسوأ أزمة لجوء منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. وكما يبدو فإن أرقام ذلك العام هي التي رغمت الأمم المتحدة على الإفصاح عن امتعاضها. فوفقا لتقريرها الصادر ذلك العام عشية الاحتفال بيوم اللاجئ العالمي، بلغ عدد النازحين قسرًا وصل إلى 59.5 مليون شخص مع نهاية عام 2014 مقارنة بـ 51.2 مليون شخص قبل عام، وبـ 37.5 مليون شخص قبل عقد مضى. وقد سجل الارتفاع منذ عام 2013 أعلى مستوياته على الإطلاق خلال عام واحد (كما) تسارعت وتيرة النزوح بشكل أساسي منذ أوائل عام 2011 عندما اندلعت الحرب في سوريا، الأمر الذي جعلها المصدر الرئيسي للنزوح في العالم، (ويمضي التقرير أنه) في عام 2014، أصبح هناك 42.500 شخص كمعدل يومي، إما في أعداد اللاجئين أو طالبي اللجوء أو النازحين داخليًا، أي بارتفاع بلغ 4 أضعاف خلال 4 أعوام فقط، (ثم أوضح التقرير) أنه على مستوى العالم، بات هناك شخص واحد بين كل 122 شخصًا إما لاجئًا أو نازحًا داخليًا أو طالب لجوء، لافتًا إلى أن 126.800 لاجئ فقط تمكنوا من العودة إلى وطنهم عام 2014. ولا يبدو أن أوضاع اللاجئين، رغم كل ادعاءات الدول والمنظمات الدولية ذات العلاقة تشهد أي تحسن يذكر، بل الأمر على العكس من ذلك تمامًا فوفقًا، لآخر تقرير حديث أصدرته المفوضية (تقرير 2016)، وتناقلته مواقع الإنترنت، اعترفت المفوضية أن أوضاع اللاجئين في تدهور مستمر وأن أعداده في تزايد لا يتقوف بفضل اتساع رقعة الحروب في العالم. وكشفت المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة، أن عدد النازحين واللاجئين الذين فروا من النزاعات وحملات الاضطهاد في العالم سجل مستوى قياسياً بلغ 65.3 مليون شخص في 2015. وحذر الإحصاء السنوي للمفوضية، من أن هذه المرة الأولى التي يتجاوز فيها عدد اللاجئين والنازحين في العالم الستين مليون شخص، أي ما يعادل عدد سكان بريطانيا، ويشكل العدد ارتفاعاً كبيراً بالمقارنة مع العام 2014 عندما كان 59.5 ملايين شخص. لكن الملفت في تقرير 2106 توقفه عند محطتين رئيستين: الأولى أن سوريا كدولة كان لها حصة الأسد عند مقارنة الدول التي تقذف بهؤلاء الضحايا، حيث تجاوز عدد اللاجئين السوريين حاجز الـ 3 ملايين شخص، وإن ما يقرب من نصف السوريين اضطروا إلى مغادرة ديارهم، والفرار للنجاة بحياتهم، بسبب تعرض السكان في بعض المدن للحصار والجوع، فيما يجري استهداف المدنيين وقتلهم دون تمييز. وأن واحداً من بين ثمانية سوريين على الأقل، فروا عبر الحدود، وهو ما يساوي تماماً مليون شخص منذ أكثر من عام، إضافة إلى وجود نحو 6 ملايين و500 ألف نازح داخل سوريا، أما الثانية وهي الأكثر مأساوية فهي اعتراف التقرير بأن أكثر من نصف هؤلاء اللاجئين والنازحين من الأطفال الذين شكلوا 51 في المئة من اللاجئين في العالم في عام 2015. وليس الأطفال السوريين هم الوحيدون في هذه المأساة فوفقا لتقرير صادر عن اليونيسيف هناك 4.5 مليون طفل على الأقل اقتُلعوا من ديارهم بسبب العنف وعدم الاستقرار في خمس بلدان (أفغانستان، الصومال، جنوب السودان، السودان وسوريا)، وأن أكثر من نصف مليون شخص قطعوا البحر المتوسط باتجاه أوروبا منذ بداية 2015. وإذا ربطنا بين الملاحظتين، تصاعد أرقام اللاجئين، وارتفاع حصة الأطفال في صفوفهم، فسنجد أنفسنا أمام صورة دولية مؤلمة تنذر بما يلي: 1. توحش السلوك الإنساني، ليس على المستوى الفردي، بل على الصعيد المؤسساتي، حيث تشعل نيران هذه الحروب وتعمل على استمرارها مؤسسات لها مصلحة مباشرة وغير مباشرة في اندلاع تلك الحروب وضمان عدم توقفها. هذه المؤسسات ليست بالضرورة تلك المرتبطة بالصناعة الحربية، رغم أن لهذه الأخيرة حصة الأسد عند الحديث عن الفوائد التي تجنى من تلك الحروب، لكن هناك أيضا تلك التي تجني أرباحها جراء انتعاش الظواهر المرافقة لتلك الحروب مثل الاتجار بالبشر، وخاصة النساء والأطفال منهم، وتجارة المخدرات، وجميعها تدمر المجتمعات التي تنتعش فيها مثل هذه التجارة، وتقذف بعشرات المليارات من الدولارات في جيوب المنتفعين منها. 2. الدمار الذي سيلحق بجيل المستقبل، طالما وصلت نسبة الأطفال إلى ما يربو على 51% من عدد أولئك النازحين واللاجئين. فأطفال اليوم هم رجال المستقبل الذي سوف يتلقى مكونات مجتمعية مشوهة، إن لم تكن متوحشة وغير إنسانية.
مشاركة :