جدة التاريخ والتراث ومهرجان «رمضاننا كدا» | أميرة كشغري

  • 6/25/2016
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

من عاداتي الرمضانية، التي لا أتنازل عنها أبداً، زيارة منطقة جدة التاريخية، أو جدة «البلد» كما يحلو للجداويين تسميتها. في الحقيقة، جدة التاريخية ليست مجرد مهرجان أو موسم بل هي معلم حضاري تاريخي يضوع بعبق التراث وينبض بأنفاس روح جدة قبل أن يجرفها التحديث وتحفر ثقافة الاستهلاك المدني خطوطاً غائرة على وجهها. إنها مزيج مميز من عبق جدة التاريخية الممتدة من حارة الشام وميدان البيعة شمالاً حيث تتربع إحدى بوابات سور جدة القديمة إلى حارة اليمن جنوباً حيث مقاهي سوق الندى والخاسكية والهنداوية والأزقة المكتظة بالبشر. ومن حارة البحر غرباً بامتداد شارع قابل ودكاكين الباعة والصاغة على الطرقات وحتى حارة المظلوم شرقاً حيث المساجد التاريخية القديمة بمناراتها الأثرية. في زيارتي لمهرجان (رمضاننا كدا) في جدة التاريخية هذا العام وجدت سلطان جدة البلد وسحر أهلها يطل مصافحاً روحي المبعثرة بين مدن العالم وطرقاته. كلما أوغلت في تضاريس جدة أطل عليك تاريخها الذي لم تنجح المدنية في إخفاء قسماته الصارخة رغم الندوبات الطارئة. وكلما ابتعدت عنها شدتك بيوتها القديمة وأبوابها المفتوحة على الثقافات. كل بيت يحكي قصة وكل باب يمثل لوحة فنية تحفر شريط الذكريات الفردية والجمعية. هذا المهرجان الرمضاني الحيوي يستحضر الماضي إنساناً ومكاناً من خلال المعارض الفنية والأسواق الشعبية والمكتبات والبسطات والمهن والأغاني والأهازيج والرقصات والأكلات الخاصة بشهر رمضان. إن سرت داخل أسوار (رمضاننا كدا) تصافحك الوجوه الجداوية البشوشة وتحتضنك العادات والتقاليد الحجازية الموغلة في المحلية الجداوية. ولا تملك إلا أن تطرب لبساطتها وترقص على وقع أهازيجها. ولا يتوقف الزمن في المهرجان عند الماضي بل يصلك بالحاضر من خلال مشاركات الشباب والشابات بشكل مكثف خاصة في معرض الرسم التشكيلي وسوق الجمعة الذي أضاف للمهرجان بعداً تنموياً يتناسب والحاضر. إن الإشادة بجمال جدة التاريخية ومهرجاناتها المختلفة طوال العام يجعلنا نطرح عدة اقتراحات من أجل الاستمرارية والتطوير في الأعوام القادمة. أول هذه الاقتراحات هو التعامل مع مشكلة المواصلات بشكل أكثر مهنية واحترافية. إذ من المتوقع تزايد أعداد مرتادي المهرجان عاماً بعد عام وليس من الممكن ولا من المطلوب أن يصل زوار المهرجان عن طريق سياراتهم الخاصة. لذلك حبذا لو تم تخصيص مواقف عامة على مسافة كافية وبعيدة عن موقع المهرجان وتوفير حافلات عامة تنقل الزوار من تلك المواقف كل 10 دقائق تتجه مباشرة إلى مدخل بوابة المهرجان وتمنع جميع السيارات الخاصة من دخول المنطقة المحيطة بالمهرجان. كما أنه من المهم توفير مسارات مشجرة تؤدي لأرض المهرجان بحيث يستخدمها من يفضلون الوصول للمهرجان مشياً على الأقدام. أما الاقتراح الثاني فهو التخطيط العمراني المناسب والمريح داخل أرض المهرجان. إذ من المتوقع أيضاً تنامي الفعاليات والأنشطة في المهرجان بما يتناسب ومتطلبات المدينة العصرية. وليس من المعقول أن تزال الأرضيات القديمة وتستبدل بها أرضيات ترابية تعيق الحركة وتفاقم من أزمة النظافة وسهولة الحركة داخل المهرجان. إن التخطيط المتكامل والمبني على توقعات مستقبلية للأعداد والشرائح العمرية هو أساس نجاح أي مشروع حضاري أما تنفيذ الخطط الجزئية بشكل عشوائي فهو وصفة مؤكدة للإخفاق.

مشاركة :