وحدتها استمرّت ثلاثة قرون.. التفكّك يلاحق بريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي

  • 6/26/2016
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

عندما يتناول الناس الحديث عن مخاطر القرار البريطاني بمغادرة الاتحاد الأوروبي، فإنهم في الغالب يتحدثون عن تداعيات الأمر على المشروع الأوروبي، الذي يعد أحد جهود فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية لاتحاد القارة سياسياً واقتصادياً. ولكن في غضون ساعات من إغلاق صناديق الاقتراع يوم الخميس 23 يونيو/حزيران الماضي، يبدو أن أحد الأمور الأخرى الأكثر أهمية يواجه خطراً آخر، وهو: بريطانيا "الدولة متعددة الجنسيات". تعد المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وشمال أيرلندا، كما يطلق عليها، أحد البلدان التي يمكن حصرها على أصابع اليد، التي تتكون من أمم متعددة، إذ تختلف تلك الأمم سياسياً وقانونياً، ولكنها متحدة تحت إشراف حكومة مشتركة، وفق ما جاء في صحيفة . وقد واجه ذلك النظام الحكومي نقداً أقل بكثير من النقد الذي واجه الاتحاد مع أوروبا، لأنه أصغر حجماً، فضلاً عن استقراره إلى حد كبير. بيد أن الأزمة التي تعصف بأطرافها، قد تشهد صمود الاتحاد الأوروبي، الذي يعد اتحاداً حديث السن بصورة نسبية، أكثر من صمود المملكة المتحدة التي يبلغ عمرها 300 عام، وهي الاحتمالية التي تخاطب كلاً من جرأة التجربة البريطانية متعددة الجنسيات التي لم تحظ بالتقدير الكافي، وأيضاً قدرة القوى التي من الممكن أن تضع مسماراً في نعش تلك التجربة. انقسام حاد ولطالما كان ثمة صراعات بين الأمم الأربع التي تتكون منها المملكة المتحدة، لكن ما يسمى ب "بريكسيت"، وهو مغادرة بريطانيا للاتحاد الأوروبي، تسبب في انقسامها بطرق قد تعني أنها ربما لا تستطيع العودة معاً مرة أخرى. فقد صوتت إنجلترا وويلز لصالح قرار مغادرة الاتحاد الأوروبي، بينما صوتت إسكتلندا وأيرلندا الشمالية لصالح البقاء بالاتحاد الأوروبي. وفي غضون ساعات من تلك النتيجة، تناول ساسة في إسكتلندا وأيرلندا احتمالية مغادرة بلادهم للمملكة المتحدة مما يمكنهم من البقاء داخل الاتحاد الأوروبي. وقال ديكلان كيرني، رئيس حزب شين فين، الذي يمتلك مشرّعين في أيرلندا الشمالية وأيضاً جمهورية أيرلندا، والذي سعى كثيراً للوحدة مرة أخرى "النتيجة التي أمامنا الليلة تغيّر المشهد السياسي هنا في أيرلندا الشمالية بصورة دراماتيكية". وأوضح كيرني أن حزبه قد يسعى إلى إجراء استفتاء لانفصال أيرلندا الشمالية عن المملكة المتحدة وانضمامها لأيرلندا، لتصير أمة واحدة مستقلة (وعضواً بالاتحاد الأوروبي). إسكتلندا "الاتحادية" قد تغيّر رأيها وقد رفضت إسكتلندا مقترحاً بالانفصال عن المملكة المتحدة خلال استفتاء أُجري عام 2014، وسط مخاوف من أن يتسبب انفصالها في عدم استطاعتها على الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وكذلك تأثرهم اقتصادياً. وقالت، نيكولا ستيرغن، رئيسة وزراء إسكتلندا، يوم الجمعة 24 يونيو إن حزبها قد "يعد مشروع القانون الذي يتطلبه إجراء استفتاء جديد للاستقلال". ويتوقع أن تركز مطالب مغادرة المملكة المتحدة على الفوائد الاقتصادية من عضوية الاتحاد الأوروبي، لكن تلك الأصوات سوف تتداخل أيضاً- في حال نجاحها في الاعتماد على تلك الجدلية- مع الرغبة الكامنة لديها في الاستقلال. مخاطر تقرير المصير على أي حال، من المعروف أن العالم قضى فترة كبيرة خلال نهايات القرون الثلاثة الماضية في ترتيب أوراقه تحت مبدأ تقرير مصير الأمم، والذي يسمح للأشخاص الذين تربطهم هوية مشتركة أن يحصلوا على دولتهم الخاصة. ويمكننا النظر إلى إيطاليا بالنسبة للإيطاليين خلال سبعينيات القرن التاسع عشر، والجزائر بالنسبة للجزائريين في عام 1962، وأيضاً طاجكيستان بالنسبة للطاجيك في عام 1991، وغيرهم على نفس الوتيرة. وعلى الرغم من أن تلك الفكرة جلبت الحرية لمعظم أجزاء العالم، فإنها أسهمت أيضاً في حروب لا يمكن حصرها، بما فيها غزوات الألمان النازيين من أجل "الاتحاد" مع الألمان في النمسا وتشيكوسلوفاكيا، وأيضاً تفكك يوغوسلافيا وانحصارها خلف خطوط الفصل العرقي واختلاف الألسنة، وكذلك الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. المملكة المتحدة حالة فريدة وما يجعل من المملكة المتحدة حالة فريدة، أنها جمعت أربع جنسيات ترى أنها مختلفة عن بعضها، لكنها اختارت التعايش المشترك فيما بينها. ويندر وجود مثل تلك الدول متعددة الجنسيات، فبعضها غير ديمقراطي مثل الصين، التي تناهض التنظيم السياسي على يد جماعات الأقليات، بمن فيهم اليوغور وشعب التبت. كما عانت دول أخرى من أجل الوصول إلى اتحاد سلمي وفعال، مثل روسيا ونيجيريا. وبهذه الطريقة، استمرت المملكة المتحدة في أن تكون الصورة التي طالما طمح إلى إنجازها الاتحاد الأوروبي، وهو اتحاد سياسي في قمة الصدق، يحترم الهوية الوطنية، كما يتجاوز التعقيدات القومية، التي ساعدت في أن تجعل القرن العشرين، الأكثر دموية في تاريخ العالم. جمر تحت الرماد بيد أن تساؤلات الهوية القومية لا تزال تنسحب على البلاد منذ عام 1707، عندما اندمجت مملكة إنكلترا ومملكة إسكتلندا لتصيرا معاً بريطانيا العظمى. فبسبب هيمنة الإنكليز على سياسة وثقافة واقتصاد البلاد- فهم أكبر المجموعات، وعاصمة إنكلترا، لندن، صارت عاصمة المملكة- طالما ضغط الإسكتلنديون من أجل الحصول على درجة أكبر من الحكم الذاتي. وازدادت حدة تلك التساؤلات لدى أيرلندا الشمالية، التي شهدت صراعاً داخلياً عنيفاً حول البقاء مع المملكة المتحدة أو الانضمام إلى أيرلندا، والتي استمرت طيلة أوقات النصف الثاني من القرن العشرين. فقد أوضح الطريق الطويل الذي خاضه الأيرلنديون قبل الوصول إلى اتفاقية سلام الجمعة العظيمة التي وُقعت عام 1998، مدى الصعوبات التي تواجه استمرار تلك الدولة متعددة الجنسيات متحدة، كما أوضح الهدوء الذي شهدته أيرلندا الشمالية، قيمة تلك الدولة. وبعد أن نجت المملكة المتحدة من الحنين إلى القومية لدى إسكتلندا وأيرلندا الشمالية، فيبدو أنها منزعجة في الوقت الحالي القومية ذاتها، ولكن هذه المرة من المجموعة الأقوى: الإنكليز أنفسهم. الهوية الإنكليزية تخرج للواجهة وفي مقابلة سبقت التصويت، قال روبرت تومبز، المؤرخ بجامعة كامبريدج "إن الحملة التي سبقت الاستفتاء، كانت مفاجأة لمعظم الناس- بل إنها كانت تنبيهاً- لأنها أخرجت لنا الهوية الإنكليزية". وقد صوت الإنكليز بقوة لصالح مغادرة الاتحاد الأوروبي. وبينما يقول محللون إن ذلك الأمر حدث بسبب معارضتهم للهجرة وتشككهم في أوروبا، فيعتقد تومبز أن ثمة دافعاً آخر لذلك، وهو شعور الإنكليز بأنهم منتقصو الحقوق في بلادهم. وحافظت المملكة المتحدة على الاتحاد خلال العقود الأخيرة، من خلال "إسناد" السلطة السياسية للأمم الثلاث غير الإنكليزية، مما يتيح لهم حكماً ذاتياً أكبر واستقلالاً للمؤسسات. فعلى سبيل المثال،تعتبر إنكلترا هي الوحيدة التي لا تمتلك برلماناً لها. هل ستستمر المملكة المتحدة "متحدة"؟ من الصعب أن نتجاوز التأثير الحاصل من أن المصوتين في إحدى أنجح الدول متعددة الجنسيات، اختاروا مغادرة أقوى جهاز حكومي متعدد الجنسيات على مستوى العالم. كما أن الأمر يقف في مواجهة مدى تعارض الأمم الأربع التي تتكون منها المملكة المتحدة، حول قرارها بالبقاء أو مغادرة الاتحاد الأوروبي. وقد تأسس الاتحاد الأوروبي بهدف معلن يسعى لمواجهة مشكلات القومية والهوية السياسية. وفي المقابل، فإن بريطانيا، أكثر الأعضاء تشككاً في ذلك الهدف، تعاملت مع نفس المشكلات قبل ذلك، بل وأظهرت نجاحاً في مواجهتها. والآن، يبدو أن البلاد في طريقها نحو التخلي عن ذلك المشروع، حتى وإن استمر الاتحاد في ظل تلك التراجعات. بيد أنها تخاطب وعود تعدد الجنسيات، التي لا يحاول أكبر وأقوى المجموعات داخل بريطانيا- وهم الإنكليز- الالتزام بها، بل من يحاولون ذلك هم الأقلية الإسكتلندية والأيرلندية الذين يسعون نحو الاتحاد مع كيان أكبر، وحتى إن كان ذلك يعني أن يتركوا شراكتهم القديمة مع المملكة المتحدة من أجل البقاء مع الاتحاد الأوروبي. - هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The New York Times. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط .

مشاركة :