في هذه الحلقة الرابعة والأخيرة من حديث الذكريات مع الملحن والمطرب الكبير سليمان الملا، يتحدث عن تعاوناته الفنية مع العديد من المطربين العرب والخليجيين، خصوصاً تعاونه مع المطربة المصرية أنغام، التي كان أول ما غنت باللهجة الخليجية، وتم ذلك من خلال ألحان الملا نفسه، وقد سافر حينئذ إلى القاهرة برفقة الشاعر الغنائي ساهر من أجل إتمام هذا التعاون، كما تحدث عن تعاونه مع المطرب المصري هاني شاكر وزيارته للكويت لتقديم أعمال فنية عن قضية الأسرى الكويتيين، وكذلك تعاونه مع المطرب السعودي الراحل طلال مداح والفنانة رباب، وتعاون آخر مع الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن وتلحين أغنية من كلماته لكنها لم ترَ النور حتى الآن، وتحتاج فقط إلى مطرب يمتلك قدرات صوتية كبيرة من أجل غنائها بالطريقة الصحيحة، كما تحدث الملا خلال هذه الحلقة عن الوجه الآخر في حياته، من خلال علاقته بأبنائه وزوجته، وعن أفضل وأسوأ القرارات التي اتخذها في حياته... تفاصيل أكثر سنقرأها معاً خلال هذه السطور: * كانت هناك محطة هامة في مشوار المطربة المصرية أنغام عندما بدأت الغناء باللهجة الخليجية، وكان ذلك من خلال ألحانك...فهل تحدثنا عن قصة هذا التعاون وكيف تم؟ - أنغام هي فنانة ومطربة كبيرة وإحساسها عالٍ جداً، وهي تنتمي إلى أسرة فنية كبيرة سواء من ناحية والدها الموسيقار الكبير محمد علي سليمان أو والدتها، التي كانت فنانة كذلك في مدينة الإسكندرية، وقد تشربت الفن من والديها، وكانت معجبة بأعمالي الموسيقية قبل أن تراني من خلال الأغنيات التي شدا بها الفنان عبدالله الرويشد في مصر، حيث سبقني الرويشد في الغناء داخل مصر، وأتذكر أنها علقت على غناء المطرب الرويشد بقولها: "إنه يغني جملاً موسيقية صعبة"، وكانت تقصد تلك الأغنيات التي كان يشدو بها من ألحاني، وخلال هذه الفترة حدث اتصال بين أسرة المطربة أنغام وبين شركة فنية في الكويت اسمها " كلمة ونغم" وكان يرأسها الأستاذ وليد العدساني بهدف التعاون معي كملحن، وقد رحبت كثيراً بهذا التعاون، وبالفعل جهزت حوالي خمس أغنيات من ألحاني ومن كلمات الشاعر "ساهر" وسافرنا إلى القاهرة برفقة وليد العدساني حتى وصلنا إلى منزل الموسيقار محمد علي سليمان، وهناك فتحت الباب لنا المطربة أنغام، وبمجرد أن عرفت أنني الملحن سليمان الملا قفزت من الفرح مثل الطفلة وذهبت لإخبار والدها بقدومي، وهو موقف محفور في الذاكرة ولا أنساه أبداً. وكان هذا اللقاء بداية التعاون معها، وبالفعل قدمت الألحان الخمسة لها وتم تسجيلها في القاهرة، ثم زارتنا أنغام في الكويت من أجل تصوير بعض هذه الأغاني، وبعدها قدمت لها ألبوماً غنائياً آخر، وشاركني في تلحين أغانيه بعض الملحنين ومنذ ذلك الوقت وحتى الآن كلما تم استضافتها في أحد البرامج التلفزيونية أو تم التطرق إلى الحديث عن الأغنية الخليجية يجب أن تذكر اسمي، وهو أمر، إن دل على شيء إنما يدل على وفائها وعلى تربيتها الفنية الصحيحة، وأنا بدوري قد حرصت في أحد لقاءاتي التلفزيونية عبر إحدى المحطات الخليجية على ذكر اسمها والوفاء الذي تتمتع به، خصوصاً عندما نعرف أنها أول ما غنت باللهجة الخليجية كان ذلك من ألحاني، وبعدها انطلقت في الغناء الخليجي مع العديد من الملحنين والشعراء الآخرين على مستوى الخليج كله، وأصبحت مطربة عربية مشهورة في أداء هذا اللون الغنائي لاسيما من خلال تعاوناتها على مستوى السعودية، الإمارات وقطر. قضية الأسرى * مَن مِن الفنانين العرب الآخرين الذين تعاونت معهم بخلاف أنغام؟ - أتذكر المطرب المصري هاني شاكر حيث تعاونت معه من خلال عملين، وقد زارنا هنا في الكويت حوالي ثلاثة أيام لتقديم أعمال فنية عن قضية الأسرى الكويتيين لدى النظام العراقي، وكانت مبرة الشيخ صباح السالم هي التي تكفلت بإنتاج هذين العملين، اللذين تم تسجيلهما في استديوهات القاهرة، ثم زارانا مرة أخرى لتصويرهما لمصلحة التلفزيون الكويتي، وكانت الكلمات للشاعر الغنائي "ساهر"، وهناك تعاون عاطفي آخر مع الفنان هاني شاكر من كلمات الشاعر خالد البذال، لكنه لم يطرح حتى الآن، ولا أعرف أسباب عدم ظهوره. * ما تفسيرك لكثرة التعاون الفني بين الملحنين والشعراء الكويتيين والخليجيين وبين المطربين المصريين والعرب في السابق مقارنة بالتعاون القليل حالياً؟ - في السابق كانت هناك شركات إنتاج عديدة تدعم وتساند وتشجع مثل هذه التعاونات، أما الآن فلا توجد سوى بضع شركات إنتاج قليلة لها توجهاتها الخاصة التي اختلفت عن السابق. عمليات الاحتكار * إلى أي مدى أضرّ توقف عمل الكثير من شركات الإنتاج الغنائي بالأغنية الخليجية والعربية؟ -هناك عوامل كثيرة أضرت بالأغنية الخليجية والعربية بجانب هذا التوقف منها عقود الاحتكار والتحكم والسيطرة لهذه الشركات على المطربين أنفسهم، إضافة إلى عدم التأني في صناعة الأغنية وكثرة الإغراءات، التي تواجه المطرب، ولذلك أدعوك إلى سماع ما يقدم الآن من أغنيات خليجية وعربية، وستجد ضعفاً في الألحان والكلمات، وفقراً في عدد الآلات الموسيقية المستخدمة بهدف تقليص التكاليف المادية، بالإضافة إلى عوامل التشابة والتكرار بين الأغاني والألحان، وأحياناً نلتمس العذر للمطرب الذي يبحث لنفسه عن التواجد في الساحة الغنائية مع حرصه على التوفير في نفقات إصدار الألبوم، لأنه على يقين أنه لن يستطيع تعويض قيمة التكاليف، التي دفعها لإنتاج ألبومه الغنائي بسبب مايسمى الآن بـ"القرصنة" عبر شبكة الإنترنت، حيث إنه بمجرد طرح المطرب للألبوم نجده منتشراً عبر المواقع الإلكترونية ويكون متاحاً للجمهور مجاناً، بالتالي يعاني سوق الكاسيت الركود، حتى أصبح الخيار المتاح أمام المطربين الآن هو إصدار الأغنيات المنفردة "السنغل"، وهي في مجملها أغنيات فقيرة من الناحية الفنية، ولا تعكس تقييماً حقيقياً لموهبة المطرب. تدهور الأغنية * كيف ترى مستقبل الأغنية العربية؟ - كانت لي نظرة مستقبلية منذ سنوات عندما حدث ماسمي في ذلك الوقت بعقود الاحتكار مع المطربين، وقلت وقتها، إنه طالما تم التحكم في غناء وموهبة المطرب فإن ذلك سيؤدي إلى تدهور الأغنية الخليجية والعربية وكان هذا الكلام سابقاً لآوانه، لكنه كان نابعاً من رؤية خاصة بي، ومع الوقت تحقق للأسف ما كنت أحذر منه، وأرى أن الوضع سيزداد سوءاً الآن من حيث تحكم شركات إنتاج قليلة فيما يقدمه المطرب. * هل تعرضت إلى محاولة احتكار من جانب إحدى شركات الإنتاج؟ - لا لم يحدث ذلك بالنسبة لي، وإن كنت سمعت من قبل أنه كانت هناك نية لدى بعض شركات الإنتاج من أجل احتكار الملحنين والشعراء كخطوة لاحقة بعد إتمام عملية احتكار المطربين، وعندما سمعت هذا الكلام شعرت بالقلق من منطلق أن الملحن والشاعر، يجب أن يكونا منفتحين في التعاون مع جميع المطربين وشركات الإنتاج لأن الاحتكار يحد من الإبداع. * كان لك تعاون فني مؤثر مع اثنين من كبار المطربين خارج الكويت أيضا.الأول مع المطربة رباب والثاني مع المطرب طلال مداح من السعودية... حدثنا عنه؟ - تعاونت مع المطربة الراحلة رباب من خلال أغنيات عدة، أذكر منها أغنية بعنوان "أرجوك يا من خنت حبي"، وحققت هذه الأغنية نجاحاً كبيراً ولاتزال تغنى حتى الآن بأصوات الكثير من المطربين الآخرين، وقصة هذا التعاون بدأت عندما كانت تصدر ألبوماً غنائياً لها كل عام مع إحدى الشركات الفنية داخل الكويت برئاسة يوسف حيدر، وكان مقرها قرب سينما الحمراء في منطقة شرق، ثم بدأت تتعاون مع شركة بوزيد فون للإنتاج الفني، التي كنت أتعاون معها في ذلك الوقت، ووقتها طلب مني مدير الشركة تقديم لحنين لها، وبالفعل تم التعاون وكان ناجحاً جداً، طلال مداح وبالنسبة إلى التعاون مع المطرب الكبير الراحل طلال مداح، فقد تم ذلك بعد انقضاء فترة "40 عاماً" في مشواره الفني، لدرجة أنه عندما سمع اللحن وكان لأغنية طويلة "مكبلهة" تحتاج إلى جهد كبير من المطرب لغنائها قال لي:"أنت تأتيني اليوم ياسليمان بهذا العمل الصعب بعد 40 سنة!"، فقلت له أنني دائماً أتخيله وهو يغني ويبدع بصوته الجميل وأتمنى أن يغني من ألحاني، وبالفعل تعاونت معه من خلال أغنيتين صدرت واحدة منهما ضمن ألبوماته بعنوان "لانفترق" ومن يسمعها يرى فيها الفنان طلال مداح كما لوكان يغني في بداياته فهي أغنية طربية وطويلة وتتميز بجملها الموسيقية المؤثرة وكلماتها العذبة، أما الأغنية الثانية فبرغم الانتهاء من تسجيلها بصوته لكنها لم تصدر ضمن ألبوماته ولا أعرف سبب ذلك حتى الآن. * وماذا عن التعاون مع الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن؟ - كانت هناك بداية للتعاون معه ولكنه لم يتم تسجيله حيث استلمت النص الغنائي منه، ولحنته، لكنه لم يُغن حتى الآن، ولاتزال هذه الأغنية موجودة لدي وتحتاج فقط إلى مطرب كبير قادر على غنائها بالطريقة الصحيحة. * كيف وجدت تجربة اشتراكك ضمن أعضاء لجنة التحكيم في برنامج اكتشاف المواهب الغنائية "صوت السهارى" داخل الكويت؟ - كان ظهور مثل هذا البرنامج خطوة فنية شبابية جريئة، وكان ظهوري فيه من خلال النسخة الأولى منه بجانب بقية أعضاء لجنة التحكيم مثل الملحن د. يعقوب الخبيزي والشاعر الغنائي أحمد الشرقاوي، ثم توقفت عنه نتيجة لتغير بعض الظروف والمعطيات، ليظهر بعد ذلك من خلال النسخة الثانية له بلجنة تحكيم آخرى مكونة من الشاعر الغنائي الكبير بدر بورسلي والملحن الدكتور عبدالله الرميثان. أب ديمقراطي وإنسان قنوع وعصبي في في نهاية حوارنا مع الفنان الكبير سليمان الملا، تطرقنا إلى بعض الأسئلة الخاصة بالوجه الآخر في حياته الشخصية، بعيداً عن جانب الموسيقى والغناء، وقد وجدناه يتمتع بشخصية هادئة وباسمة وكذلك تميزه بجانب كبير من الدعابة وخفة الدم، كما سألناه عن علاقته بأبنائه وهل هو أب ديمقراطي أم دكتاتوري، وعن صفاته الإنسانية، وفي ما يلي أهم الإجابات التي جاءت على لسانه: ● التوصيف الأقرب إلى قلبي هو أن أكون ملحنا ومطربا في الوقت نفسه، لأن كلا الوصفين منحهما الجمهور لي الذي وجدني ملحناً ومطرباً، فعندما قررت دخول مجال الغناء كان ذلك برغبة من الجمهور الذي سمع صوتي عبر أثير الإذاعة، وكان يطالب ببث المزيد من الأغنيات التي كنت أشدو بها بصوتي حتى قررت إصدار البومات غنائية، وكان ذلك خلال فترة الثمانينيات، وحتى الآن لاأزال أواصل نشاطي في الجانبين. ● أفضل قرار اتخذته في حياتي هو أن أتميز بالجمل اللحنية الخاصة بشخصيتي الموسيقية والفنية دون تأثر بالآخرين مهما بلغني ذلك من تعب وجهد، ومثل هذا الأمر جعل لألحاني خصوصية وبصمة خاصة بي. ● أسوأ قرار في حياتي هو قيامي بتلحين جمل لحنية قوية، ولكنها لم تصل إلى الجمهور بسبب سوء أداء بعض المطربين لها، ومثل هذا الأمر جعلني حريصاً في تعاوناتي الفنية، فهؤلاء المطربون ليسوا ضعفاء، ولكنهم أخفقوا في توصيل ألحاني بالمستوى الذي كنت أطمح إليه؟ ● أفضل صفة لدي هي التواضع وتقبل النقد من الآخرين، وعدم السعي وراء المال، فأنا إنسان قنوع وأرضى بالقسمة والنصيب. ● أسوأ صفة لدي هي مرتبطة بعملي الفني ومدى حرصي على تقديم الأفضل دائماً، وهي العصبية، وأتمنى التخلص منها بالفعل لآثارها السلبية على الصحة بصفة عامة. ● نعم أتذكر أول أجر حصلت عليه، وهو "60 ديناراً، ولا أستطيع نسيانه أبدأ، أما آخر أجر فلا أستطيع ذكره. ● بالنسبة للمكان أوالشخص الذي ألجأ إليه وقت الضيق، فأنا قبل أي شيء ألجأ في البداية إلى المولى عز وجل أبث إليه شكواي وهمومي، ثم بعد ذلك ألجأ إلى الفنان الكبيرعبدالكريم عبدالقادر. ● نعم أنا أب ديمقراطي ولست دكتاتوريا، وأحب أعامل أبنائي الخمسة كأننا أصدقاء، وأهم ما أحرص عليه في تربيتي لهم هو المواظبة على أداء الصلوات والعبادات. كنت أفرض عليهم ما تقتضيه التربية الحسنة أثناء فترة دراستهم، ولكن بعد انتهائهم منها، وعندما أصبح لكل واحد منهم طريقه الخاصة، فقد قررت أن أترك لهم الحرية الكاملة في اتخاذ قراراتهم من منطلق تحملهم المسؤولية الكاملة. *نعم أساعد زوجتي في شؤون المنزل، خاصة في ما يتعلق بإعداد الطعام، ومثل هذا الأمر يكون مصدر سعادة بالنسبة إلي. ● أفضل وجبة أجيد إعدادها بنفسي هي المشخول "المعدس". *أهم هوياتك بعيداً عن الفن هي حب الجلوس على شاطئ البحر لأوقات طويلة والتأمل في الطبيعة، وكذلك الجلوس مع أبنائي ومشاهدة التلفزيون، خاصة المسلسلات الدرامية.
مشاركة :