كنت في عيادتي عندما دخل شاب وشابة معا، وبعد قليل من التردد قالا إنهما أتيا ليستشيراني فقط حول ما إذا كان يمكن لمريض السكري أن يتزوج وينجب بشكل طبيعي، وما إذا كان المرض ينتقل بالضرورة إلى أبنائه. وبعد أن طرحا سؤالهما، راحا ينظران إليّ وهما ينتظران إجابتي بمزيج من الترقب والقلق والأمل في آن معاً. كانت قصتهما هي أن الشاب مصاب بالنوع الأول من مرض السكري منذ أن كان طفلا في الثالثة من عمره، وقد أصبح في الخامسة والعشرين. هو ناجح في حياته وفي عمله بعد تخرجه وحصوله على درجة جامعية بتقديرات مرتفعة. هي رأته للمرة الاولى في مكان عملهما، واندلعت شرارة الحب المتبادل بينهما منذ اليوم الأول. خططا لمستقبلهما معا وكان أميناً معها منذ البداية إذ أخبرها بكل شيء عن مرضه. وفاتحت الشابة أسرتها في شأن علاقتها الجديدة، لكنها وجدت معارضة شديدة من أهلها الذين حذروها من أن مرضه المزمن هذا قد يجعله غير قادر على إنجاب أطفال. توجهت إلى الوليفين الشابين بنظرة وابتسامة إيجابية باعثة على الطمأنة ثم قلت لهما: «مثلما أن هناك مرضى سكري لا ينجبون فهناك أيضا أشخاص غير مصابين بالسكري لا ينجبون. لذا، لا يمكننا تعميم هذه المشكلة على الجميع». وبعد أن شرحت لهما أن المرض قد ينتقل وقد لا ينتقل إلى الأبناء، وما ينبغي أن يتوقعاه عندما يتزوجان، غادرا الغرفة وهما منتشيان بالآمال والأحلام الكبيرة. والواقع أنه من المهم لنا أن نفهم أن مرض السكري ليس عقبة تعيق أصحابه عن فعل أشياء في الحياة، وفي الوقت ذاته هو ليس عذراً يبرر لهم فعل أشياء أخرى. ففي أوروبا وأميركا مثلا، يتم التعامل مع مرضى السكري باعتبارهم أشخاصا طبيعيين جداً ويتمتعون بحقوق غير المصابين بذلك المرض نفسها. وهذا يعني أن المجتمع هو الذي ينشر ويتداول معلومات مغلوطة عن مرضى السكري، علاوة على أن مريض السكري ذاته قد يضع نفسه بنفسه في زاوية ضيقة ويعتبر نفسه غير قادر على أن يفعل أي شيء... بسبب مرضه ذاك. فلا ينبغي على الإطلاق اعتبار مرض السكري عامل تقييد يعيق المصاب به عن أن يكون مبدعاً وساعياً إلى تحقيق انجازات وأهداف في حياته. وإذ التزم المريض باتباع تعليمات طبيبه المعالج و واظب على حضور مواعيد متابعته الروتينية، فإنه يصبح من الممكن تحجيم المخاطر بما يجعل كل شيء تحت السيطرة. وأنا شخصياً كطبيب، لا أسمح لمرضاي السكريين بأن يعتبروا أنفسهم مُعاقين، إلى درجة أنني لا أتساهل معهم في مسألة التوقيع على رغباتهم في الحصول على اجازات مرضية أو حتى في مسألة رغبتهم في أن يعملوا لساعات أقل - إلا في الحالات التي تستدعي ذلك فعلا. ويتعين علينا جميعا كمجتمع أن نساعد مرضى السكري كي يمارسوا حياتهم بشكل طبيعي جدا، ولا ينبغي أن نحاصرهم بالمعتقدات والمفاهيم المغلوطة المثيرة للإحباط. وبالمناسبة فإن الشابين اللذين أشرت اليهما في بداية هذا المقال أصبح لديهما الآن 3 أبناء معافين، ويرفلان معهم في حياة زوجية سعيدة باستمرار منذ أن تزوجا. * استشاري أمراض السكر والغدد الصماء
مشاركة :