استعادة سرت الليبية عبر «البنيــــان المرصوص» ستكون باهظة الكلفة

  • 6/27/2016
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

تواجه الحكومة الليبية الجديدة أول امتحان أمني لها في معركة سرت التي حوّلها تنظيم «داعش» إلى قلعة محصنة. ويبدو أن القوات الموالية لحكومة فايز السراج نجحت في تحقيق تقدم مهم من خلال استعادة مواقع استراتيجية في المدينة، إلا أن المعركة، التي أُطلق عليها «البنيان المرصوص» لم تنتهِ بعد، وتكلفة استرجاع سرت يرجح أن تكون باهظة. وبعد أربعة أسابيع من انطلاق الهجوم ضد التنظيم، ارتفع عدد الجرحى في صفوف القوات الموالية للحكومة، وباتت العيادات والمستشفيات في المناطق القريبة من ساحة المعركة غير قادرة على استيعاب هذه الأعداد المتزايدة. ويقول المقاتل، بهاء المعروق، الذي جاء من طرابلس للمشاركة في قتال المتشددين، إن مجموعته تعرضت لهجوم بسيارة مفخخة أودت بحياة عدد من زملائه، في حين أصيب هو بجروح بليغة. ويتلقى المعروق العلاج في المستشفى القريب من سرت، إلا أن المؤسسة تعمل بإمكانات محدودة في وقت تكدس فيه عشرات الجرحى في غرف المبنى غير النظيفة. ويقول الممرضون المنهكون إن الأدوية الأساسية تكاد تنفد، وإنهم لم يعودوا قادرين على التعامل مع جميع الحالات. ويقول المقاتل الجريح إن عناصر «داعش» يستخدمون أساليب «قذرة» في المعارك، أهمها الهجمات الانتحارية والعبوات الناسفة. وبات عدد الجرحى المتزايد يشكل تحدياً كبيراً للمستشفيات العمومية التي شهدت تخريباً وإهمالاً منذ الإطاحة بنظام معمر القذافي، في 2011. وقبل الثورة الليبية، كان الأطباء والممرضون الأجانب، خصوصاً القادمين من شرق أوروبا وآسيا، يشكلون السواد الأعظم من الكادر الطبي في البلاد. وقد اضطر أغلبهم الى مغادرة ليبيا نظراً للظروف الأمنية التي تعيشها البلاد منذ خمس سنوات. كسب الشرعية في الوقت الذي تقود فيه حكومة الوفاق، المدعومة من قبل الأمم المتحدة، عملية «البنيان المرصوص» ضد المتشددين في مدينة سرت، أطلقت قوات بنغازي التي يقودها الجنرال خليفة حفتر عملية مماثلة لتحقيق الهدف نفسه، والمتمثل في استرجاع المدينة. وفيما يجمع الليبيون على أهمية تحرير سرت، التي يتخذها «داعش» قلعة له، فإن كل طرف يسعى لإحراز تقدم عسكري على الأرض، لتعزيز موقعه السياسي داخلياً، وكسب الشرعية الدولية. وقد بات هذا التنافس المسلح مصدر قلق دولي، إذ من المحتمل أن يجد الفصيلان المتنازعان على السلطة نفسيهما في مواجهة حتمية إذا حقق كل طرف منهما إنجازاً في عملية التحرير، وبالتالي سيتبنى كل منهما هذا الإنجاز. وفي هذا السياق دعا مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا، مارتن كوبلر، إلى إنشاء غرفة عمليات موحدة تدير العمليات في معركة سرت؛ من أجل تفادي الصدام بين الجانبين، لكن هذه الدعوة لم تجد تجاوباً. ويرى برلمانيون ليبيون أن المجتمع الدولي أسهم في تفاقم الأزمة السياسية، فقد أصبح الوضع أسوأ مما كان عليه قبل اتفاق الصخيرات في المغرب؛ حيث دعمت الدول الغربية حكومة الوفاق ومنحتها الصلاحيات من دون مراعاة استكمال الإجراءات التشريعية اللازمة، وهو ما تسبب في حالة إرباك للمؤسسات القائمة. لكن المبعوث الأممي حَمَّل مجلس النواب في طبرق مسؤولية التأزم الحالي، عبر رفضه التصويت لمنح الثقة للحكومة المنبثقة عن اتفاق الصخيرات. وذهب مارتن كوبلر أبعد من ذلك، عندما قال إن هناك جهات في الشرق الليبي تسعى لمنع البرلمان من التصويت عبر تخويف النواب، ومحاصرة جلسات البرلمان. تضميد الجروح ويقول محمد لجنف، الذي يدرس الطب في الجامعة، إن ممرضاً واحداً يقدم العلاج لنحو 30 جريحاً في مستشفى مصراتة. ويضيف الطالب الذي تطوع لدعم الكادر الطبي في المستشفى، «أحياناً ينتظر الجريح ساعتين حتى يتلقى الإسعافات الأولية، ومن ثم العلاج المناسب». هذا الخلل في المنظومة الطبية لن يساعد في تضميد جروح المقاتلين الليبيين الذين يصابون في أرض المعركة الحاسمة ضد المتشددين. وتقول التقارير الواردة من سرت إن 170 عنصراً موالياً لحكومة طرابلس قتلوا، فيما جرح أكثر من 700 مقاتل، أغلبهم كان ضحية العبوات الناسفة أو السيارات المفخخة أو القناصة. والعدد مرتفع نسبياً، لأن عدد المشاركين في المعارك يناهز 4000 مقاتل فقط، جاؤوا من شرق وغرب ليبيا. أما رمضان عيساوي، فيعبر عن حسرته لما آل إليه وضعه. فقد أصيب المقاتل في وجنته برصاصة لم يتمكن الأطباء من إخراجها. وقد تعرض عيساوي وزملاؤه لكمين نصبه لهم مقاتلو «داعش» بالقرب من ميناء سرت، «كنا نأخذ قسطاً من الراحة، وإذا بعناصر التنظيم يهاجموننا»، وبجانبه يجلس شقيقه عمر، الذي يتمنى أن ينقل أخوه إلى الخارج لنزع الرصاصة من وجهه. وقد تم نقل العديد من الجرحى، بالفعل إلى بلدان مجاورة وإلى تركيا وإيطاليا. إلا أن عيساوي ينتظر دوره لتلقي العلاج في الخارج، في حين يقول عمر: «لا أحد يساعدنا»، في الوقت الذي يحاول فيه استعادة جواز سفر شقيقه من السلطات لينقله بنفسه إلى أحد المستشفيات في تونس. إلى ذلك، يشعر أهالي الجرحى بالاستياء من تعامل السلطات الجديدة إزاء المصابين في المعارك. واقتحم عشرات الجرحى فندق في مصراته، قبل أسبوعين، للمطالبة بتحرك المجلس البلدي من أجل التكفل بالمصابين. وصاح أحدهم: «نريد علاجاً يليق بنا ويحترم إنسانيتنا». ويأتي ذلك في وقت تواجه فيه حكومة السراج تحديات على كل الجبهات، فهي لم تبسط نفوذها بعد على جميع المؤسسات الليبية، والقطاع الطبي المتهالك لايزال خارج السيطرة. ويعول المسؤولون في طرابلس على الدعم الدولي للقضاء على «داعش»، إلا أن أعداد القتلى والجرحى المتزايد يجعل المهمة صعبة. خلافات سياسية تشكو القوات الليبية التي تحارب عناصر التنظيم المتطرف نقص الدعم، فمن السهل ملاحظة أعمدة الدخان المتصاعدة من مركز «واغادوغو» للمؤتمرات التي تبرز الجزء السفلي من المنازل الرملية في هذا المجمع في سرت، والذي يعد مقراً لـ«داعش». وقد عمل المتشددون على حماية قلعتهم بحقول من الألغام، ويقاومون كل من يقترب منها بمجموعة من القناصين. وأنشأ ثوار قادمون من مصراتة، حاجزاً رملياً ولا يحملون سوى بعض الرشاشات الخفيفة لمقاومة المتطرفين. ويقول قادة ميدانيون إن الوحدات المقاتلة في سرت تطالب بإنهاء الخلافات بين السياسيين في طرابلس وطبرق من أجل تكثيف الجهود في الحرب ضد التنظيم، لأن «الأولوية في ليبيا حالياً تكمن في التصدي لهذا التنظيم الذي يشكل خطراً على جميع المناطق الليبية ومنطقة شمال إفريقيا برمتها». ويتنافس جميع اللاعبين على الساحة الليبية لاستعادة المدينة الاستراتيجية، وكل طرف يطمع بالفوز بصيد سياسي ثمين بدحر تنظيم «داعش» من سرت. وبينما ترابط قوات الجنرال خليفة حفتر ناحية الغرب، تتركز كتائب مصراتة شرقاً، منذ أشهر عدة. ويعتقد مراقبون أن توحيد هذين الفريقين المتنافسين، من شأنه تعزيز صدقية رئيس الوزراء الليبي الجديد، لكن المهمة ليست سهلة، في ما يبدو، مع وقوع اشتباكات بين الفريقين في الأسابيع الماضية. وفي غضون ذلك، تسارعت التطورات الميدانية، ذلك أن التنظيم المتطرف على وشك خسارة معقله الرئيس سرت. والعناصر المنخرطة في استعادة المدينة تنتمي في الغالب لكتائب مدينة مصراتة التي قد تكسبها المعركة بعض الصدقية. ودعت شخصيات ليبية مستقلة إلى نبذ الفرقة، وتركيز الجهود على محاربة المتشددين الذين يهددون كيان الدولة الليبية.

مشاركة :