«شراب راق لي».. لذة الشاربين من كؤوس الحب الإلهي

  • 6/27/2016
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

لمشاهدة شعرشرابٌ راقَ لي بصيغة الــ pdf اضغط هنا سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، أغبطك على براعتك في اختيار القوافي، فأنا أجنّ جنوناً بالشعر الموزون المقفى، وأحب بحر الوافر الراقص. وأغبطك أيضاً على اختيارك للكلمات السهلة السلسة التي تترقرق ترقرق الماء العذب النمير، وتنساب في أذن السامع وعلى شفة القارئ لقصيدتك العذبة كالعسل المصفى. كما أغبطك على توافقك مع شهر الصيام، فأنت تبتهل مثل هذه الابتهالات التي بدأت تتنزل علينا مثل تنزل حبات المطر منذ أن أهلّ هلال رمضان، وأسأل الله ألا تتوقف حتى يكتمل ديوان الابتهالات لسموك. نعم.. أغبطك لأني أرى أن رمضان أهلّ على الكثيرين من الملوك ورؤساء الدول، لكن ما شغلهم في الحقيقة غير الذي شغلك، ومن منهم يستطيع أن يقضي شهره شعراً وابتهالاً، وهل أعطي كل الملوك والأمراء قريحة الشعر.. حلف الزمان ليأتين بمثلـــه حنثت يمينك يا زمان فكفر سمو الهدف إن ملكة الشعر يا سيدي نعمة فهنيئاً لمن استخدمها فيما يحبه الله، وهل هناك أحب إلى الله من قولك: تبارك خالق الأكوان ربي، ومن قولك إلهي أنقذ الإسلام، وقولك لجأت إليك ربي، وقولك بهدي المصطفى أبداً لحاقي؟ أجل.. هذه الحياة بطولها وبعرضها كما قال الشاعر: كل العلــــوم سوى القرآن مَشغلةٌ إلا الحديث وإلا الفقه في الديــــن فالعلم ما كـان فيــــه قال حدّثنـــا وما سوى ذاك وسواسُ الشياطين إن قصيدتك في هذه المرة يا صاحب السموّ ارتقت أكثر وأكثر بسمو هدفها ومدلولاتها وبكلماتها التي هي من السهل الممتنع، وأجمل منها استهلالك القصيدة بهذه البداية الخمرية الصوفية التي تنضح بحب الله تعالى وخشيته وعظمته. لحظات الصفاء وما أجمل لحظات التصوف التي يعيشها المسلم بعيداً عن الشطحات والخرافات، ألا وإن التصوف الحقيقي إذا تشرّب قلب المسلم منه، يجعله يتواضع لله أكثر وأكثر، لأنه يرى كل أعماله هباء ما لم تنل من الله القبول، والعبد من يكون حتى يباري الخالق عز وجل؟ يقول ابن عطاء الله السكندري في كتابه إيقاظ الهمم: من علامة الاعتماد على العمل، نقصان الرجاء عند وجود الزلل، ويقول ابن عجيبة في شرح هذه الحكمة: الأعمال ثلاثة: عمل الشريعة وعمل الطريقة وعمل الحقيقة، فالشريعة أن تعبده، والطريقة أن تقصده، والحقيقة أن تشهده. وها أنت يا سيدي تقول في قصيدتك: تبارك خــالق الأكوان ربي بمنهجه اعتقــادي واعتناقي وتقول أيضاً: لجأت إليك يا ربــي وإنـــي بهدي المصطفى أبداً لحاقي فأنت تعبده مخلصاً لله عبادتك، لأنك تشهد أن لا إله بحق سواه، وتعتنق دينه، لأنه هو شريعة الإسلام دين الأنبياء جميعاً، وتشهد أن محمداً رسول الله. وقولك: لجأتُ إليك يا ربــي وإنـــي بهدي المصطفى أبداً لحاقي في هذا البيت يكمن اعتقاد جازم منك بأن ما تقدمه من أعمال البر في هذه الدنيا لا يساوي شيئاً عند الله إن لم يتقبلها الله بلطفه، فالاعتماد على العمل من علامة الشقاء، والاعتماد على الله من علامات الفلاح. مدخل الحب الإلهي فأنت ما تعمله من خير تعمله بكل تواضع ومن غير رياء، لذلك فإنك في ابتهالاتك منذ أول رمضان تكرر رجاءك بأن يتقبل الله منك صالح الأعمال، تقول ذلك وأنت بعيد عن الغرور بالنفس وبأنك أنت الحاكم، وهذه الصفة منك يحبها الله، وهي هذه التي قصدها ابن عطاء الله بقوله: معصية أورثت ذلاً وانكساراً خير من طاعة أورثت عزاً واستكباراً. نعم.. نعم بدأت القصيدة بمدخل الحب الإلهي، ألا وهو كأس من العناية يصبها الله في قلب من يشاء من عباده، وذلك الشراب الإلهي لا يتذوق طعمه إلا من أحبه الله ووفقه لطاعته، لذلك قال الشاعر: وإذا العناية لاحظتك عيونها نم فالمخـاوف كلهـــن أمـــان ويقول البوصيري: وإذا حلّـــت العنــــاية قلبــــاً نشطَت في العبادة الأعضـاء الله أكبر ومثل هذه الكؤوس وإن كانت تبدو خمرية إلا أنها مباحة، ويجوز أن تدار من غير إثم، وما أحسن قول القائل: أخاطر في محبتكـم بروحــي وأركـب بحركــم إمّا وإمــّــا وأسلك كــل فجّ فـي هواكـــم وأشـرب كأسكم لو كان سُمّا ولا أصغي إلى من قد نهاني ولي أذن عن العزّال صَمّــا أخاطر بالخواطر في هواكم وأترك في رضاك أباً وأمّـا تمرس وبراعة أقول إن الشيخ محمد بن راشد شاعر متمرس، يتحكم في الكلمات فيستخدمها متى يشاء وكيف يشاء من غير تكلف، انظر إلى قوله: شراب راق لي/ وإلى قوله لمُترعة، وإلى قوله رقّت وراقت/ وإلى قوله: سالف وباقي/ وإلى قوله يلاقي ما يلاقي. ألا ترى أنه يستخدم الكُنى والاستعارات والتشبيهات ودقائق الكلمات مثل: الحقب العتاق التي قد يظن بعضهم أنها جمع حقبة وهي حين من الدهر، إلا أن الشيخ محمد هنا بدأ القصيدة بداية خمرية صوفية، فذكر من الكلمات ما يناسب المقام ومنها: الحقب العتاق. ورد في معاجم أسماء الأشياء ضمن أسماء الخمر الحُقبة بضم الحاء الخمر، والعاتق أيضاً الخمر، والعتيق الخمر، ومثل ذلك في البيت الذي يليه: وأغلى سعرها ما بان منها فهل من سالف منها وباقي السُلاف والسلافة من أسماء الخمر، بل السلاف أفضل الخمر وأخلصها، فانظر كيف ذكر الشاعر من الكلمات ما تتناسب مع كلمة شراب ومُترعة وهي الكأس المملوءة بالشراب، ثم انظر كيف برّر سموه هذه المقدمة الخمرية لقصيدته بقوله: وإني عند ذكر ربي أشـــدو بها لأخفّ من برح اشتياقي فرط الشوق إذ ربما فهم القارئ أن الشاعر يمجد الخمر والكأس بمثل هذه العبارات، فسُرعان ما انتبه واستدرك فقال بما معناه لا تحسبوني أني أمجّد الكأس، فأنا من فرط شوقي إلى تلك الطلعة البهية والعناية الإلهية أستخف طرباً، ألم يقل الشاعر قديماً: قالوا جُننت بمن تهوى فقلت لهم العشق أعظــم ممــّا بالمجانيــــن ثم بعد ذلك شتّان بين هذه القصيدة المفعمة بالأدب مع الله ومع رسول الله ومع مقام الشهر الفضيل، وبين تلك القصيدة التي يقول قائلها: رَمَضانُ وَلّى هاتِهـــا يا ساقي مُشتـاقَةً ضمت إِلى مُشتــــاقِ ما كــانَ أَكثَـــرَهُ عَلى أُلّافِهـــا وَأَقَلَّهُ في طـــــاعَةِ الخَــــلّاقِ بِالأَمسِ قد كنّــا رهيـــني طـــاعَةٍ وَاليَومَ مَنَّ العيــدُ بِالإِطـــلاقِ هاتِ اِسقِنيها غَيرَ ذاتِ عَواقِبٍ حَتّى نُراعَ لِصَيحَـةِ الصَفّــاقِ لا تَسقِنــــي إِلّا دِهاقـــاً إِنَّــــي أُسقى بِكَأسٍ في الهُمومِ دِهاقِ فَلَعَلَّ سُلطانَ المُدامَةِ مُخرِجي مِن عالَمٍ لَم يَحوِ غَيــرَ نِفــاقِ شدو مباح قارن بين هذه القصيدة وبين قصيدة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، فالقصيدة هذه بدأت بالفرحة، فرحة العود إلى الشراب والتململ من طول شهر رمضان، وكيف الآن يعود إلى الكأس وهي كأس دهاق وطاردة للهموم، وفي الوقت نفسه يشكو شاربها من عالم سماهم بالمنافقين وهم الذين قضوا شهرهم في طاعة الله. وأما قصيدة صاحب السمو فقد بدأت بالخمرية البريئة التي لا غول فيها ولا تأثيم، فهو ذكر الشراب والكأس والساقي ومُترعة مقابل دهاق، وسالف، وشكا أيضاً من بعض الهموم ومشاكل أهل هذا الزمان.لكنه بعكس ذلك الشاعر أعاد الشيء إلى نصابه فقال: وإني عند ذكر الله أشدو، فصاحب السمو مسرور بقدوم شهر رمضان، وكم مجَّد ربه تبارك وتعالى وذكّر الناس بأنعمه عليهم، وحذّر من أهل الشك والذين يكفرون بالنعمة. نعم.. وهو بعد ذلك كحاكم غيور على دينه ووطنه وأمته، يخشى على الأمة من تهاونهم في الدين، وفي نفسه الكثير من هذه الأشياء التي جرفت الناس نحو الهلاك وهو لا يحبها، لكن ماذا يفعل في ظل هذه الفرقة والاختلاف فيشير إلى ذلك بقوله: وفي هذا الزمان بدت أمور بها خرج الأنام عن النطاق إلهــي أنقذ الإســلام منهــا فقد أمسى يلاقي ما يلاقـي رؤية ثاقبة إنه يرى بمنظار رؤيته الثاقبة أن الناس سلكوا طريقاً وعراً أبعدهم عن جادة الصواب، وإن الإسلام هو الإسلام لم يتغير لكن الناس تغيروا برغبة عارمة منهم، وها هم اليوم يفعلون كل أمر منكر وينسبونه إلى الإسلام والإسلام منهم بريء وقد قال سموه: برئت إليه من شك وكفـــر بنعمته ومن أهـــل النفــاق فيا ترى ما المخرج إذن؟ يقول سموه: لا ملجأ ولا منجا من الذي حصل إلا بالعود إلى الله، لذلك قال: لجأت إليك يا ربــي وإنـــي بهدي المصطفى أبداً لحاقي وهذا المعنى مقتبس من الحديث النبوي الشريف: تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي كتاب الله وسنتي، وفي الوقت نفسه إشارة إلى قوله عليه الصلاة والسلام: لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض. وفي الختام، ابتهل سموه إلى الله بأن يجمع قلوب العرب والمسلمين، ويجنبهم الفتن، شكراً سيدي على القصيدة ونتطلع إلى المزيد من الابتهالات.

مشاركة :