انفتاح على فضاءات التعدد والاختلاف

  • 6/27/2016
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

إذا كان المغرب العربي يشكل جزءًا مهمًا من الوطن العربي الكبير، فإن هذا الجزء المهم بقي شبه غائب لسنوات عديدة في أذهان العديد من الخليجيين عن الحضور في تاريخ الثقافة العربية، وفي مواكبة ما يجري في الطرف الآخر من هذا العالم العربي الكبير. ولكن المغرب العربي الكبير أصبح في الوقت الحاضر يتمتع بمكانة رفيعة على صعيد الحضور الثقافي، ليس ضمن خارطة الوطن العربي فحسب، بل ضمن الخارطة العالمية، سواء من خلال الأسماء الإبداعية والفكرية الكبيرة أو من خلال الملتقيات والمهرجانات والفعاليات الثقافية مثل منتدى أصيلة في المغرب أو مهرجان قرطاج السينمائي والمسرحي والموسيقي في تونس، بالإضافة إلى تطور الإنتاج الثقافي بكل أبعاده وتميزه وتنوعه وقدرته على اختراق بعض أوجه العالمية. وهذا لا يعني بأن المغرب العربي لم يكن موجودًا في السابق، وإنما على المستوى الفعلي كان هناك ما يشبه انعدام التواصل ما بين المشرق والمغرب، وتلك قضية أخرى ليس هذا سياقها، ولكن كيف تبدو صورة الثقافة المغاربية اليوم في سياقها العربي والإنساني؟ تبدو صورة الثقافة في المغرب العربي الكبير من الداخل خالية من عقدة الاستحواذ والتضخم في الذات او إنكار الآخر، ومنفتحة على فضاءات التعدد والاختلاف والتنوع والقبول والتقبل، من خلال رؤية لنشر قيم التسامح خيارها أو هدفها الأساس هو التنمية الإنسانية لرد الاعتبار للتنوع الثقافي المغاربي الذي هو أساس الغنى والثراء والقوة. لذلك فان الامازيغية حيثما وجدت في بلد من هذه البلدان كلغة وإبداع مكتوب وخصوصية ثقافية لعدد مهم من السكان تجد تعبيراتها الواقعية من خلال تبنيها من قبل المؤسسات الثقافية في إطار ثقافة مغاربية عربية إسلامية، إلا أنها كانت ستعد منقوصة لو أنها افتقدت إلى هذا التنوع الثقافي والإنساني المهم ولو انها الغت او تجاهلت الامازيغية على سبيل المثال. وذلك لأنه من الصعب اليوم التمييز بين ما هو أمازيغي وما هو عربي في نسيج الثقافة، سواء ما يتعلق بالصناعات اليدوية أو بالتراث التاريخي أو بالبحث الانثروبولوجي إذ تتداخل فيها الحقب التاريخية كما يتداخل فيها هذا التنوع الثقافي بشكل كبير، فالتعددية مسألة أساسية في الثقافة المغاربية وهي ليست مسألة نزاعية، فلا وجود لنزاع بسبب التعدد الثقافي بل تعيش نوعا من الانسجام ومن الوحدة بسبب هذا التعدد نفسه. ولذلك يمكننا أن نقول إن الثقافة المغاربية ليست ثقافة إلغاء أو استحواذ أو استبعاد أو إقصاء، إنها الثقافة التي تنصهر فيها جميع المكونات التاريخية والاجتماعية في نوع من الثراء الثقافي الذي يوظف سياحيًا وثقافيًا واقتصاديًا وسياسيًا على حد سواء، ولهذا فإن الجهد الثقافي مرتبط بالمحافظة على التراث في إطار احترام التنوع الثقافي واعتماد هذا التنوع أساسا لتقديم صورة المنطقة: مغرب عربي ولكنه غني بتعدده، مغرب عربي قوي بإرثه الحضاري العربي- الإسلامي الامازيغي والإنساني، وهذا التنوع وهذا الموروث هو اللبنة الأساسية في مجال تنمية القدرات السياحية، والثقافية في نفس الوقت. ديناصور يحاضر في الثقافة وسط قاعة معدة سلفًا للتصفيق، تزينها الأعلام وقائمة الشعارات الفذة التي تم إبداعها خصيصًا لمثل هذه المناسبات، جلس رجل مهيب، لا يأتيه الابتسام من خلفه ولا من بين يديه، تكلم بهدوء ورصانة وتقطيع في الكلام وتفخيم في المخارج والمداخل، لخص المحاضر نظريته في الثقافة والأدب بسخرية: (التقدم رهن التكنولوجيا، وليس رهن القصة والاقصوصة وشعر النثر وشخبطات التشكيل وخرافات الحداثة وما بعد الحداثة، مع انه يحفظ عن ظهر قلب دالية المتنبي في وقصيدة (موت الذئب) لألفريد دي فيني، كما انه مولع بحماسة أبي تمام، وإذا كان ممكنا تبرير إعجابه بالميتة الملحمية لذئب (دي فيني)، الذي لفظ أنفاسه وهو يلعق دماءه الشخصية في عزلة تامة، فإنه سيكون من الصعوبة بمكان ترجمة مثل هذه النظرية المستخفة بالثقافة وبالحداثة والأدب إلى اللغة الانجليزية فضلا عن الفرنسية، وكافة اللغات الحية الأخرى وحتى الميتة منها. لقد أوغل (صاحب النظرية الثقافية العريقة) في محاضرته المضحكة الموغلة في الجهالة البكماء التي لا ترى الثقافة خارج حلقات المدح والذكر والتسبيح بطرق ملتوية تثير الشفقة، فأوضح ان (القصة والأقصوصة وشعر النثر حكاية فارغة، والمدارس الحديثة في التشكيل سخف وشخبطات بدون معنى، وأدب شباب اليوم سطحية لا معنى لها لا تستحق الطباعة وان رطلا من الفحم أغلي منها وأكثر قيمة). وأضاف الديناصور المحاضر أن العصر اليوم هو عصر علم وتكنولوجيا ولا مكان فيه (للكلام الفاضي) ولا مكان فيه للمشاعر والعواطف والثرثرة اللغوية التي لا تستحق الاستماع اليها فما بلك بنشرها، وان علينا أن نحث الشباب على التزود بالعلوم الصحيحة وعدم تضييع أوقاتهم وأعمارهم في الأدب الفارغ (هكذا). إن هذه النظرية الفلكلورية للثقافة هي التي يمكن ان نقول عنها دون تردد: أفضل منها رطل من الفحم، لأنها تصيبنا بالاختناق وتعلق على جدار الضحالة الممتدة من الصحراء إلى البحر ومن الريف إلى ما يسمى تجاوزًا بالمدينة. إن الفعل الثقافي لا يمكن أن تكون له فاعلية خارج ما يؤسسه بحرية تحديًا للممنوع قليلاً وللمكبوت أحيانًا، وللأصنام كثيرًا، وللجدران إطلاقًا وللبلادة والسخف ولمثل هذا النوع من المحاضرات. والحقيقة أن العيب ليس في (صاحب المحاضرة الفذة) الموغل في الجهالة، وإنما في من دعاه ليلقي علينا محاضرة في السخف.. همس سأشطب الاسم من دفاتري، والصوت من خريطتي الأخيرة في أبعد نقطة لن نكون معًا... من ذلك الصلصال جئنا إلى صدامنا الأخير. في الفضاء الرحب في أبعد نقطة، أخبئ حطامنا الحارق وسرك في سذاجتي. مشدودًا إلى إيماءة ظلك المتروك في الصقيع. وجهك الملتمع في صفحة الفنجان كل ليلة أتحرق أن أكون في جوار الريح كي أستطيع لمس الرائحة الأخيرة.

مشاركة :