كل الوطن- هافنجتون بوست مترجم:سُرِقَت الأسلحة التي قامت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) والمملكة العربية السعودية بشحنها إلى الأردن، والتي كانت موجهة إلى المعارضة السورية، بشكل مُمنهَج من قِبل عملاء الاستخبارات الأردنية، ووفقًا لمسئولين أميركيين وأردنيين، فقد بيعت هذه الأسلحة لتجار السلاح في السوق السوداء. استُخدِمَ بعض من الأسلحة المسروقة في إطلاق للنار في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي والذي أسفر عن مقتل أميركيين وثلاثة آخرين في منشأة تدريب للشرطة بعمّان، وهو ما يعتقده مسئولون بمكتب التحقيقات الفيدرالي بعد شهورٍ من التحقيق في الهجوم، وفقاً لأشخاص مُطّلعين على التحقيق، بحسب ما ذكره تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، الأحد 26 يونيو/حزيران 2016. كما تم الإبلاغ عن واقعة سرقة الأسلحة، والتي انتهت فقط منذ شهور مضت بعد شكاوى من الحكومتين الأميركية والسعودية، لأول مرة بعد تحقيق مشترك قامت به نيويورك تايمز وقناة الجزيرة الإخبارية القطرية. تُبرِز عملية السرقة تلك، والتي تتضمّن ملايين الدولارات من الأسلحة، النتائج الفوضوية وغير المُخَطّط لها لبرامج تسليح وتدريب المعارضة– هذا النوع من البرامج التي عملت عليها سي آي إيه ووزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) لعقود – حتى بعد أن أمَلت إدارة أوباما أن تُبقي برنامج التدريب في الأردن تحت الرقابة المشددة. وبحسب مسؤولين أردنيين، جنى الضباط الأردنيون المتورطون في هذا المخطط كسباً غير متوقع من مبيعات السلاح، مُستخدمين المال في شراء سيارات دفع رباعي باهظة الثمن، وأجهزة آيفون وأشياء فاخرة أخرى. كما قادت عملية السرقة وإعادة بيع الأسلحة – بما فيها بنادق كلاشينكوف هجومية، وقذائف هاون وقنابل صاروخية – إلى فيضان من الأسلحة الجديدة المتاحة في سوق السلاح السوداء. ولا يعلم المحققون ما الذي حلّ بمعظم هذه الأسلحة الجديدة، لكن مجموعة متباينة من الجماعات، بما فيها شبكات مجرمين وقبائل أردنية ريفية، تستخدم أسواق السلاح لبناء ترساناتها. يشتري مهربو الأسلحة أيضاً كميات هائلة من سوق السلاح من أجل شحنها إلى خارج البلاد. ما زال تحقيق مكتب التحقيقات الفيدرالي في إطلاق النار الذي وقع في عمّان، والذي يُديره المكتب الميداني بواشنطن التابع للمكتب الرئيسي، مُستمرًا. لكن مسؤولين أميركيين وأردنيين قالوا إن المحققين يعتقدون أن الأسلحة التي استخدمها نقيب شرطة أردني، ويُدعى أنور أبو زيد، في إطلاق النار على اثنين من المُتعاقدين الأميركيين، واثنين من الأردنيين وواحد من جنوب أفريقيا قد جاءت في الأصل إلى الأردن بهدف توجيهها لبرنامج تدريب المعارضة السورية. وقال المسئولون أنهم توصّلوا لهذه النتيجة بعد ما تتبّعوا الأرقام التسلسلية للأسلحة. بينما قال محمد المومني، وزير الدولة الأردني لشئون الإعلام، أن المزاعم بشأن تورط ضباط الاستخبارات الأردنية في أية سرقات للأسلحة غير صحيحة على الإطلاق. وأضاف: إن أسلحة مؤسساتنا الأمنية يتم تعقبها على نحو صارم، وبأعلى درجة من الانضباط. وذكر أن جهاز المخابرات الأردنية القوي، والمعروف بمديرية المخابرات الأردنية أو جي آي دي، يُعَد مؤسسة ذات مستوى عالمي وسمعة محترمة، ومعروف بسلوكه المهني وبدرجة عالية من التعاون بين الأجهزة الأمنية. في الأردن، يُعتبر رئيس جهاز المخابرات ثاني أهم رجل بعد الملك. ورفض ممثلو سي آي إيه ومكتب التحقيقات الفيدرالي التعليق. ولم تقم وزارة الخارجية بالتعليق على هذه المزاعم مباشرةً، لكن المتحدث الرسمي قال إن علاقات أميركا مع الأردن مازالت متينة. وقال جون كيربي، المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية: تُثمّن الولايات المتحدة للغاية التاريخ الطويل للتعاون والصداقة مع الأردن، متابعاً نحن ملتزمون تجاه أمن الأردن، وبالشراكة الوثيقة مع الأردن لمواجهة التحديات الأمنية المشتركة. يُدار برنامج التدريب، الذي بدأ عام 2013 مباشرة في تسليح المعارضة تحت الاسم الرمزي تيمبر سيكامور، بواسطة سي آي إيه وأجهزة استخبارات عربية عديدة وكان يهدف إلى إنشاء قوات معارضة للرئيس السوري بشار الأسد. تُعد الولايات المتحدة والسعودية المساهمين الأكبر، حيث يساهم السعوديون بكلٍ من الأسلحة والمبالغ الكبيرة من المال، ويقود عملاء القوات شبه العسكرية من سي آي إيه زمام المبادرة في تدريب قوات المعارضة على استخدام الكلاشينكوف، وقذائف الهاون، والصواريخ الموجهة ضد الدبابات وأسلحة أخرى. ويُعد وجود هذا البرنامج أمراً سرياً، مثل جميع التفاصيل المتعلقة بميزانيته. يقول المسؤولون الأميركيون أن سي آي إيه دربت الآلاف من المعارضين في السنوات الثلاث الماضية، وأن المقاتلين قد أحرزوا تقدمًا ملحوظًا على أرض المعركة ضد قوات الحكومة السورية إلى أن أجبرتهم القوات العسكرية الروسية – التي تم إطلاقها العام الماضي من أجل تأييد الرئيس الأسد – على التراجع. ويُقام برنامج التدريب في الأردن بسبب قُرب البلاد لساحات القتال السورية. منذ البداية، اعتمدت سي آي إيه ووكالات الاستخبارات العربية على أجهزة الأمن الأردنية لنقل الأسلحة، واشترى الكثير بكميات كبيرة في منطقة البلقان ومناطق أخرى في أنحاء شرق أوروبا. هذا البرنامج منفصل عن الآخر الذي أنشأه البنتاغون من أجل تدريب قوات المعارضة لمواجهة مقاتلي الدولة الإسلامية (داعش)، فضلاً عن الجيش السوري. وتم إنهاء هذا البرنامج بعد نجاحه في تدريب حفنة من قوات المعارضة السورية فقط. ووصف المسئولون الأميركيون والأردنيون واقعة سرقة الأسلحة والتحقيقات اللاحقة بشرط عدم الكشف عن هُويتهم لأن تدريب المعارضة السورية يُعد أمراً سرياً في الولايات المتحدة وسراً حكومياً في الأردن. تم تداول أخبار سرقة الأسلحة ومحاولات فرض النظام المتأخرة داخل الحكومة الأردنية لعدة أشهر. وقال حسام عبد اللات، وهو مساعد كبير لعديد من رؤساء الوزراء الأردنيين السابقين، أنه سمع عن المخطط من مسؤولين أردنيين حاليين. لدى مديرية المخابرات الأردنية بعض الضباط الفاسدين في صفوفها، يقول السيد عبد اللات، لكنه أضاف أن المؤسسة ككل ليست فاسدة. الأغلبية من ضباطها وطنيون وأردنيون يشعرون بالفخر والذين هم خط الدفاع الأول للبلاد، كما يقول. كما قال المسئولون الأردنيون الذين وصفوا العملية أنها تمت بواسطة مجموعة من ضباط الخدمات اللوجيستية لدى مديرية المخابرات الأردنية ذوي القدرة المباشرة على الوصول للأسلحة بمجرد وصولها المطار، إذ اختلس الضباط شاحنات من الأسلحة بشكل مُنتظم من المخازن، قبل أن يسلموا بقية الأسلحة لمناطق الإنزال المحددة. بعد ذلك باع الضباط الأسلحة في أسواق الأسلحة الكبيرة والمتعددة في الأردن، حيث تقع أسواق السلاح الرئيسية في الأردن في مدينة معان، في الجانب الجنوبي من البلاد؛ وفي مدينة سحاب، خارج عمّان؛ وفي وادي الأردن. ليس من الواضح إذا ما كان الرئيس الحالي لمديرية المخابرات الأردنية، الجنرال فيصل الشوبكي، لديه عِلم بسرقة أسلحة سي آي إيه والسعودية. لكن العديد من مسئولي الاستخبارات الأردنية قالوا إن الضباط الكبار داخل الجهاز لديهم عِلم بمخطط الأسلحة ويقومون بتوفير غطاء للضباط ذوي الرتب الأدنى. وتسرّبت معلومة أن الأسلحة التي هُدف نقلها للمعارضة يتم شراؤها وبيعها في السوق السوداء إلى الدوائر الحكومية العام الماضي، عندما بدأ تُجار السلاح الثرثرة لعملائهم بأن لديهم مخازن كبيرة للأسلحة التي تزودها الولايات المتحدة والسعودية. بدأ عملاء الاستخبارات الأردنية الذين يراقبون سوق السلاح – غير المتورطين في مخطط تحويل الأسلحة – في إرسال تقارير إلى القيادة العامة حول تكاثر للأسلحة في السوق وعن تفاخر تجار السلاح. وبعدما اشتكى الأميركيون والسعوديون من السرقة، اعتقل المحققون في مديرية المخابرات الأردنية العشرات من الضباط المتورطين في المخطط، من بينهم العقيد المسئول عن تشغيل العملية. في نهاية المطاف تم الإفراج عنهم من الاعتقال وطردهم من الخدمة في الجهاز، لكن سُمح لهم بالاحتفاظ بمعاشاتهم والأموال التي جنوها من المخطط، وفقًا لمسؤولين أردنيين. كان قرار الأردن باستضافة البرنامج التدريبي الذي تُديره سي آي إيه والسعودية الحلقة الأخيرة في شراكة ممتدة طويلاً. بدايةً من إدارة أيزنهاور، قدّمت سي آي إيه والسعودية مدفوعات كبيرة للملك حسين، الذي حكم الأردن منذ عام 1952 حتى وفاته عام 1999، في مقابل الحصول على إذن لإقامة عدد من العمليات الاستخباراتية على الأراضي الأردنية. كذلك ساعدت أموال وخبرة سي آي إيه والسعودية الملك على تأسيس مديرية المخابرات الأردنية وسحق التهديدات الداخلية والخارجية لحكومته. منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001، غمرت الولايات المتحدة الأردن بالمال من أجل برامج متنوعة لمكافحة الإرهاب. كما أدار الجواسيس الأميركيون والأردنيون مركزاً مشتركاً لمكافحة الإرهاب خارج عمّان، وسجناً سرّياً في الأردن ضمّ سُجناء قامت سي آي إيه والسعودية بأسرهم في المنطقة. في كتابه الصادر عام 2006، حالة من الإنكار، روى الصحفي بوب وودوارد محادثة تعود للعام 2003 حيث يُخبر جورج تينيت الذي كان حينها مدير المخابرات المركزية، كونداليزا رايس، والتي كانت حينها مستشار الأمن القومي، نحن الذين أنشأنا جهاز المخابرات الأردني، ونحن الآن نملُكه. إنها علاقة اعتماد مُتبادَل، لكن لدى الأردن قوة خاصة بسبب موقعها في قلب الشرق الأوسط وتسامحها العام لأن تُستَخدَم كقاعدة للجيش الأميركي والعمليات الاستخباراتية. لدى أجهزة الأمن الأردنية كذلك تاريخ ممتد طويلاً لمحاولة التسلل للجماعات الإسلامية المتشددة، وهي جهود أثمرت كلاً من النجاح والفشل. في عام 2009، تبيّن أن دكتور أردني – تم إحضاره إلى سي آي إيه والسعودية بواسطة ضابط لدى مديرية المخابرات الأردنية بعد أن قال الدكتور أنه قام باختراق قيادة القاعدة – يعمل كعميل مزدوج وقام بتفجير نفسه في قاعدة نائية بأفغانستان. قُتل سبعة من موظفي وكالة الاستخبارات المركزية، بالإضافة إلى ضابط مديرية المخابرات الأردنية في هذا الهجوم. اثنان حديثا الخدمة من رؤساء الجهاز، الذي يُعرف أيضًا بالمخابرات، تم إيداعهما السجن بتُهم تتضمن الاختلاس، وغسيل الأموال والاحتيال البنكي. رأس أحدهما، اللواء سامح بطيخي، مديرية المخابرات الأردنية منذ عام 1995 وحتى عام 2000 وتمت إدانته بكونه جزءاً من مخطط للحصول على قروض بنكية بحوالي 600 مليون دولار من أجل عقود حكومية زائفة واستيلائه على حوالي 25 مليون دولار. تم الحكم عليه بالسجن ثماني سنوات، لكن تم تخفيف الحكم في النهاية ليصبح 4 سنوات قضاها في فيلّته بمدينة العقبة الساحلية. كما اتهم اللواء محمد الدهبي، والذي رأس الجهاز من 2005 وحتى 2008، بسرقة ملايين الدولارات كان قد استولى عليها ضباط مديرية المخابرات الأردنية من المواطنين العراقيين الذين عبروا إلى الأردن في السنوات التي تلت الغزو الأميركي للعراق في عام 2003. أظهرت محاكمته أنه قام أيضًا بترتيب تهريب الأموال في سيارات خاصة من العراق إلى الأردن وكان متورطًا أيضًا في بيع الجنسية الأردنية لرجال أعمال عراقيين. تم الحكم عليه بالسجن 13 عامًا وتغريمه عشرات الملايين من الدولارات. أذن الرئيس أوباما ببرنامج التسليح السري في أبريل/نيسان 2013، بعد جدال استمر لأكثر من سنة داخل الإدارة حول الحكمة من استخدام سي آي إيه والسعودية في تدريب المعارضة في محاولة للإطاحة بالرئيس الأسد. تم اتخاذ القرار في جزء منه في محاولة لكسب السيطرة على الموقف الفوضوي الذي قامت فيه الدول العربية بإمداد السلاح لسوريا لمجموعات متمردة متنوعة بقليل من التنسيق. قام القطريون بالدفع من أجل تهريب شحنات أسلحة (FN-6) صينية الصُنع والتي تُطلق من على الكتف، عبر الحدود من تركيا، وأرسلت السعودية الآلاف من الكلاشينكوف والملايين من طلقات الذخيرة قامت بشرائها، أحيانًا بمساندة من وكالة الاستخبارات المركزية. مع نهاية عام 2013، كانت سي آي إيه تعمل مباشرة مع السعودية، والإمارات العربية المتحدة، ودول أخرى لتسليح وتقوم تدريب مجموعات من المعارضة وإرسالهم عبر الحدود إلى سوريا. تبقى الدوافع المحددة خلف إطلاق النار في شهر نوفمبر/تشرين الثاني في منشأة تدريب الشرطة غير مؤكدة، ومن غير الواضح متى سيختتم مكتب التحقيقات الفيدرالي بشكل رسمي. هذا العام، أقامت أرامل الأميركيين المقتولين في الهجوم قضية ضد تويتر، زاعمين أنه سمح بدراية منه لتنظيم داعش باستخدام منصته من أجل نشر الرسائل العنيفة للجماعات المتشددة، وفتح باب التطوع وتجميع الأموال. النقيب أبو زيد، المسلح، تم قتله مباشرة تقريبًا. وقال أخوه، فادي أبو زيد، في مقابلة بأنه ما يزال مؤمنًا أن أخاه بريء وأنه لم يُبد أية مؤشرات بأنه كان يُخطط لتنفيذ إطلاق النار. قامت الحكومة الأردنية، كما يقول، بإنكار كل إجابة لديه بخصوص إطلاق النار، ورفضت إصدار تقرير تشريح الجثة الخاص بأخيه.
مشاركة :