قبل أن نبدأ عدنا التنازلي في (سلم التطرف) يجب أن نتفق أولا على تعريف "التطرف" وإدراك الفرق بينه وبين "التدين" و"التعصب" و"التشدد". فالتدين حالة عامة مسالمة حيث يؤمن معظم الناس - في معظم البلدان - بديانة محلية تتضمن رباً وطقوساً وميزاناً للثواب والعقاب. أما التعصب فطبيعة إنسانية لا ترتبط بالدين بالضرورة كوننا قد نتعصب لفكرة أو منهج أو شخص أو حتى ناد رياضي. أما التشدد فخيار فردي قد يصل لدرجة ابتكار المحرمات وتحريم المباحات تحت حجج كثيرة كالزهد والتحوط وسد الذرائع (ويصل لمرحلة التطرف في حال القناعة بعصمته ومحاولة فرضه بالقوة). والتطرف بنظري هو الابتعاد عن الوسطية ورفض أي فكرة أو رأي لا تتفق مع قناعة صاحبها - ولهذا يصعب إقناع المتطرف بالأدلة والشواهد أو حتى النصوص الشرعية كونه يملك تفسيرا مغايرا أو مقابلا لها! وحتى هذه المرحلة لا يعد التطرف خطيرا (بدليل وجود المتطرفين في جميع الديانات والثقافات) ولكنه يصبح كذلك حين يتجاوز المتطرف قناعاته الشخصية ويحاول التحريض عليها أو فرضها بالقوة - ناهيك عن الدعوة للتخريب وحمل السلاح. وحين يصل الأمر إلى الدعوة للتخريب وحمل السلاح يمكن القول أن المتطرف وصل الى "أقصى درجة" في سلم التطرف وعدم التسامح مع الآخرين. وكنت شخصيا قد فكرت في وضع "سلما" لقياس التطرف يتدرج بين أقصى درجات التطرف والعنف (في المركز الأول) نزولا حتى أدنى درجة فيه (في المركز الثامن) الذي يمثله "التائبون" من أصحاب التجارب السابقة. 1 - ففي المركز الأول يأتي أكثر أنواع التطرف خطورة حيث تجد في كل مجتمع أفراد قلائل يحرضون على العنف تحت عباءة الدين ويوزعون فتاوى القتل والتخريب تحت دعوى الجهاد.. وهذه الفئة تستحق عن جداره لقب "دعاة على أبواب جهنم" كونهم يدعون للعنف والفتنة والخروج على الجماعة.. ورغم أنهم لا يحملون السلاح بأيديهم ولا يجاهدون بأنفسهم (فهم أجبن من ذلك) اخترتهم كأكثر أنواع المتطرفين خطورة كون "الفتنة أشد من القتل" - وللمزيد حول هذا الموضوع ابحث في النت عن مقال سابق بعنوان "دعاة على أبواب جهنم". 2 - وفي المركز الثاني يأتي "المنفذون" لفتاوى وأفكار الفئة السابقة على أرض الواقع.. وهؤلاء هم من يحمل السلاح ويفجر الأرواح ويستبيح دماء الآخرين بدعوى إعلاء كلمة الدين.. وهذه الفئة هي الأكثر عنفا وصراحة وجراءة على المواجهة (في سلم التطرف) ولا تقبل التنازل عن مواقفها وتنظر لمن يفعل ذلك كخائن أو مرتد.. حتى لو كان من شيوخهم في الفئة السابقة! 3 - أما في المركز الثالث فيأتي "الممولون" الذين يتكفلون بالجانب المادي والدعم اللوجستي والشفاعة عند الضرورة.. وهؤلاء تربطهم علاقة وثيقة بالفئة الأولى ولكنهم يحرصون على عدم التواصل مع الفئة الثانية خشية ربطهم بأعمالها العنيفة.. ومن المؤسف أن معظم هذه الفئة (من وجهاء المجتمع) الذين يحملون ذات الأفكار المتشددة ولكنهم في نفس الوقت يراعون مصالحهم الاقتصادية ومواقعهم الاجتماعية ويحاولون الموازنة بين المظهرين - وهو ما يتسبب بظهورهم بوجهين: عام وخاص!! .. وللحديث بقية نستكمل فيه سلم التطرف ودرجاته الثمانية..
مشاركة :