كتب حسن صيرفي مقالا حول مظاهر الاحتفال بقدوم الشهر الكريم قبل هذا التاريخ بأربعين عامًا.. ويقول: أحقا إننا أولئك الناس الذين كانوا يعيشون في مستهل النصف الثاني من القرن الرابع عشر.. إننا ونحن نساير موكب الزمن لا نشعر بالنحت البطيء، الذي ينحته منا كما تنحت الرياح الجبل العظيم حتى تجعله ترابا. عندما استعرضت شريط الزمن في هذه المدة عجبت كيف تجمعت من تلك التفاصيل الدقيقة، التي تدون في سفر الزمن وأمام أعيننا لا نحس بمساربها التي تنساب هنا وهناك.. لتكون نهرا يجر في دروبه كل شيء.. جرف الكثير من عاداتنا وأساليب عيشنا جرف حتى بعض خصائصنا ومميزاتنا. والحديث عن رمضان قبل أربعين سنة موضوع شائق فعلا ويحتاج إلى وقت على أن الذي أتذكره الآن هو: إن مجموعة من أولاد الحارة البسوا واحدا منهم ثوبا بدون أن يخرجوا رأسه من ياقة الثوب، بحيث لا يعرف من هو من الأولاد ثم حملوه على أكتافه وأخذوا يجوبون به الشوارع والأزقة وهم يصيحون جابوا ما جابوا يرددونها في صوت جماعي كان ذلك ليلة 30 شعبان ليلة الشك وكانوا يقصدون بذلك دخول شهر رمضان البعض يقول جابوا أي جاءوا به حتى هذه الجملة نحتت ويقصدون جاءوا برمضان والسم الآخر ييقول ما جابوا أي أنهم لم يجيئوا برمضان ويستمر هذا الكورس في ترديد هذا اللحن حتى وقت أذان العشا فإذا لم يثبت دخول رمضان انصرفوا لمنازلهم وكثيرا ما كان يتأخر إثبات رؤية رمضان إلى آخر الليل وحدث أكثر من مرة أنه لم يثبت إلا بعد طلوع النهار لأن المواصلات السلكية واللاسلكية والأسفلتية لم تكن قد بلغت من الجودة ما يسهل سرعة الاتصال في وقت مبكر من محل ثبوته إلى بقية أرجاء المملكة المترامية الأطراف. فإذا ثبت الشهر انطلقت المدافع تحية، وتكاد لا تختلف الخمسة عشر يوما الأولى منه عن أيام الشهور الأخرى.. على الدورات التي تبدأ بصورة أعم من أول ليلة، وهذه الدوريات هي مجموعة من الناس يفضون كل ليلة في بيت واحد منهم من بعد التراويح لساعة متأخرة من الليل عدا حفظة القرآن الكريم، والذين يعالجون حفظه فهؤلاء ينصرفون إلى المسجد لصلاة التراويح بعد التروايح التي يصليها الإمام ومآذن المساجد، التي كانت تضاء بطوف من القناديل المعدة بالزيت. (العدد 2601 – 12 رمضان 1392هـ) من جريدة المدينة
مشاركة :