تلألأت أنوار جامع عقبة بن نافع في القيروان، أول عاصمة إسلامية في المغرب العربي، فأضاءت أجواء المدينة قناديل القرآن الكريم بعد أكثر من 14 قرناً من نزوله على الرسول محمد (ص). واستقبلت عاصمة الأغالبة أخيراً زوّارها الذين جاؤوا من كلّ فجّ عميق ومنذ ساعات الصباح الأولى لحضور الاحتفالية الكبرى التي نظمت لمناسبة بدء نزول القرآن الكريم. 1450 سنة مضت منذ نزلت الآية الكريمة «اقرأ باسم ربك»، وبعد كل هذه السنوات ارتأت وزارة الشؤون الدينية التونسية أن تحتفي بهذه المناسبة العظيمة في احتفالية ضخمة دُعِيَ إليها أكثر من 5000 حافظ للقرآن من كل محافظات البلاد، أكبرهم شيخان في الرابعة والتسعين من العمر وأصغرهم في العاشرة. كما كرّم الاحتفال طفل في الخامسة من عمره تمكّن من حفظ 18 حزباً. وشارك في التظاهرة رئيس الحكومة التونسية حبيب الصيد ووزير الشؤون الدينية محمد خليل وعدد من الوزراء والديبلوماسيين، والآلاف من الحفّاظ والمقرئين والأئمة وزوّار القيروان. ودعي الزوار الى إفطار جماعي في ساحة جامع عقبة بن نافع تحت الصومعة جمع أكثر من 2500 شخص. وتأتي هذه التظاهرة في سياق مشروع وزارة الشؤون الدينية لمكافحة الإرهاب من خلال تحفيظ القرآن والوصول إلى مئة ألف حافظ في السنوات الثلاث المقبلة، إيمانا منها بأنه السبيل الوحيد لإبعاد الشباب التونسي من العنف، وذلك لأن النص القرآني يسمو بالروح وينفّر من العنف، وهو مشروع يؤكد أن منهج الدعوة الإسلامية يقوم على الرِفق واللِّين، والرقّة والرحمة، ولا يقوم على العنف والشدة والغلظة والنقمة. الاحتفالية انطلقت بتلاوة من مقرئ المسجد الأقصى، وحلّقت بالحاضرين في سماء المعراج تذكرهم بمسرى النبيّ (ص) الذي كان امتحاناً حقيقياً للمؤمنين، وكان ذلك بحضور أئمة وقراء المسجد الأقصى. وأكد محمد خليل وزير الشؤون الدينية في كلمة ألقاها للمناسبة، ضرورة إعلاء شأن الإسلام والعمل بقِيمه وتعاليمه، مضيفاً أنّ «القرآن رسالة للإنسانية جمعاء»، داعياً إلى «التمسك به وتوريثه للناشئة حمايةً لها من التطرف والإرهاب». ولعلّ أهمّ ما في الاحتفال هو توقيع اتفاق توأمة بين جامع عقبة بن نافع والمسجد الإبراهيمي في مدينة الخليل الفلسطينية، ينصّ على التعاون في مجال المكتبات وترميم المخطوطات والحفاظ عليها وعلى هوية المسجدين. وستشكَّل لجنة علمية لوضع بروتوكول تعاون وآليات تنفيذ من أجل إعداد الدراسات والمنشورات التي تعرّف بهذين المعلمين وتثري الدراسات العلمية في هذا المجال. وتلي في الاحتفال «بيان القيروان ليلة نزول القرآن»، الذي أكّد أنّ «كتاب الله المجيد هو كتاب هداية ورسالة سلام وأمان وتسامح واِعتدال، وهو قادر بمضامينه ومبادئه وقيَمه على تحصين الأجيال القادمة ضدّ كل أشكال الانحراف والتطرف». واعتبر أنّ «من يقرأ القرآن ويحفظه ويتدبّر معانيه لا يُمكن أن يكون عنيفاً ولا لعّاناً ولا متنطّعاً، وأنّ حافظ القرآن هو راقي السلوك، وسليم الوجدان ونظيف الفكر». ودعا البيان الذي وقّعه المشاركون إلى «تضافر الجهود الخيّرة والعزائم الصادقة للقضاء على هذه الظاهرة واجتثاث جذورها وأسبابها، ونشر قيم الإسلام السمحة الرامية إلى تحقيق السلام والوئام والضامنة للوفاق وللتعايش السلمي بين الأفراد والمجتمعات».
مشاركة :