تشكل هجرة الشباب إلى كيبك منذ العام 2014 محور نقاشات مستفيضة في الحكومة والبرلمان حول مفهوم «الهجرة الاقتصادية» وآلياتها وأهدافها الرامية إلى استقطاب عنصر الشباب كأولوية وكمحرك أساس لعجلة التنمية المستدامة. وعلى هذا الأساس قررت كيبك اختيار الشباب المؤهلين علمياً ومهنياً وتقنياً وتحديد نسبتهم السنوية على ضوء ما تترقبه في السنوات القليلة المقبلة من تغيرات لسد حاجة سوق العمل وقدرته على استيعابهم وما يواكبه من تداعيات ديموغرافية كضآلة معدل الولادات ونقص اليد الفنية العاملة وتزايد أعداد المحالين على التقاعد. وتشير دوائر الهجرة في كيبك إلى أنها استقبلت عام 2014 أكثر من 50 ألف و275 مهاجراً، منهم 51 في المئة شباب يحملون شهادات جامعية ولا يملك نظيرها سوى 19 في المئة من أقرانهم الكيبيكيين. وعلى رغم اعتراف المسؤولين الكيبيكيين بكفاءات المهاجرين الشباب التي هي مثار «دهشة وإعجاب في المجتمع الكيبيكي ولدى أرباب العمل، إلا أن «استثمار هذه الطاقات لا يجري التعامل معها على النحو الأمثل» كما تقول وزيرة الهجرة كاتلين ويل. فينظر إليهم على أنهم من «الأقليات المنظورة – Minorites Visibles» والتمييز بينهم وبين أمثالهم الكيبيكيين يتجلى في العمل والتفاوت بين المداخيل وهي أعلى بمرتين للمولودين في كيبك، وعدم الاعتراف بشهاداتهم ومؤهلاتهم وخبراتهم العلمية والمهنية التي حصلوا عليها في بلدانهم. وآليات الهجرة مملة، فما أن يستقر المهاجرون الشباب في كيبك حتى يصابوا بالخيبة والفشل والإحباط نتيجة البطالة التي تصل في صفوفهم إلى معدلات قياسية أحياناً وبلغت حوالى 25 في المئة مقارنة بمعدل البطالة العام حوالى 7 في المئة. الاندماج حاجة كيبكية ومن مصلحة كيبك أن تسرع في اندماج المهاجرين في سوق العمل. وإذا كانت لديهم مؤهلات علمية وفنية يتطلبها سوق العمل فان الاقتصاد الكندي يربح 370 ألف عامل يساهمون بـ2.1 في المئة من الناتج القومي. ويذهب بعض الخبراء إلى أبعد من ذلك فيرى أن مفتاح الاندماج الناجح ليس اقتصاديا وحسب وإنما إنسانياً بمعنى أن المهاجرين الجدد هم رأسمال بشري يساهمون أيضاً بتنمية المجتمع الكندي في مختلف المجالات اللغوية والاجتماعية والثقافية والسياسية. وهذا المفهوم الشمولي للاندماج يعتمده «صالون الهجرة والاندماج في كيبك» الذي «يعمل لتعزيز الانفتاح وإقامة الحوار ومد الجسور بين القادمين الجدد ومؤسسات العمل والإنتاج». على حد قول رئيسه ومؤسسه جونلثان شودجاي. ويضيف: «كلما فتحنا أذرعنا لهؤلاء الوافدين الجدد من الشباب كلما نستطيع أن نبني مجتمع الغد الكيبيكي في شكل أفضل». «هجرة مرنة» في إطار سياسة الهجرة الاقتصادية التي تنتهجها حكومة كيبك للسنوات القلية المقبلة حددت وزيرة الهجرة كاتلين ويل سقفاً سنوياً لا يتعدى 50 ألفاً، مع إمكانية اعتماد «الهجرة المرنة والفعالة» التي تقضي بزيادة نحو ألف مهاجر سنوياً حتى عام 2019 طالما ظل الكيبيكيون في سن العمل في تناقص مستمر. وحددت ويل أولوية اختيار المرشحين للهجرة المرنة من فئة الشباب بين 20 و30 سنة والأيدي العاملة المتخصصة والمؤهلات التي تتلاءم وحاجات سوق العمل الكيبكي وإتقان اللغة الفرنسية ووصول الهجرة الاقتصادية إلى نسبة 63 في المئة عام 2019 وإلى 85 في المئة من الشباب المهرة المتقنين للغة الفرنسية. مواقف معارضة يقول المرشح الجديد للحزب الكيبيكي جان فرانسوا ليزيه إن «كيبك تستقبل مهاجرين أكثر من حاجتها ويجب إبقاء الهجرة عند سقف 50 ألفاً سنوياً». ويضيف: «إن الهجرة الاقتصادية هي مجرد تابو»، لافتاً إلى أن كيبك ليست مهيأة لتستجيب إلى حاجات وآمال المهاجرين الشباب والاعتراف بشهاداتهم»، مشيراً إلى أن «هؤلاء يأتون إلى كيبك ويظنون أنهم مهندسون ولكنهم سائقو تاكسي، وحملة شهادات التمريض يعملون عمالاً في المقاهي». ويقترح لتصويب الخطأ الذي ترتكبه وزارة الهجرة «إعطاء منح مالية للطلاب المهاجرين تكون كافية للحصول على شهادة جامعية. ما يعني أنهم بعد سنتين أو أكثر يتخرجون ويحققون أحلامهم وينخرطون سريعاً في سوق العمل»، لافتاً إلى «أنني لا أريد أن يعمد هؤلاء إلى غسل الصحون في بلدنا أثناء الدراسة لتسديد الأقساط الجامعية». أما رئيس وزراء كيبك فيليب كويار فيرى أن «الهجرة هي علاج خيالي للتراجع الديموغرافي. وكيبك بحاجة إلى محرك للنمو الاقتصادي والهجرة هي إحدى هذه المحركات». أما الخبير السكاني غيوم ماروا، الباحث في جامعة مونتريال، فيعتقد أن الهجرة التي «تكتفي بزيادة أعداد المهاجرين سنوياً ليست حلاً مثالياً لمعالجة انخفاض معدل الولادات وشيخوخة السكان».
مشاركة :