تعيش العقرب في المناطق الحارة والجافة، مختبئة في الجحور والشقوق، وتحت الحجارة والصخور، وتحت الأخشاب والنفايات، تتلمس الرطوبة، وتتجنب الحرارة، وسمها في نهاية ذيلها، لإيران طباع وصفات كطباع وصفات العقرب، وعقليتها تتشابه إلى حد كبير مع عقلها، وخداعها نفس الخداع، تحاول أن تحتوي الزمان والمكان والشخوص، إيران نموذج للعدمية التقدمية، وهاجسها بغيض، تحاول أن تختزل الأشياء الجميلة لتحيلها إلى قبح ورماد وانكسار، لديها صراع داخلي كبير، تحاول أن تحيله إلى صراع خارجي ليخف عنها الحمل والدثار، أحلامها تقبع بين العواصف الهائجة، والابتكارات الدينية الكاذبة، وبهت السيناريو، وكذب الرواية والحديث، فبين ذاتها والخارج مساحات فاجعة في نسيج النص والتعامل تنبئ عن تقلبات غادرة، وهذا ما يجعلها أمام فعل كلامي يتجه إلى توظيف مخاضات باهتة، صوتها ومعجمها وانعطافاتها نسيج لغوي غير مفهوم ولا مهضوم، إيران كيان مخادع تخفي في باطنها أكثر مما تظهر، تضمر أكثر مما تصرح، وهذا ما يجعل العالم يستوحش منها ولا يقترب، لديها ضرب من التوتر والجدل، ورمز خطابها كسيح، تحاول أن تجمع ثنائيات الحاضر والماضي، والحلم والرؤيا، والواقع والمتخيل، والبياض والسواد، والحياة والموت، ولها أنساق غير مرتبة وليس لها نظام، تشكيلها اللغوي هو تشكيل فيه حشد من لغو المفردة، ورداءة الجملة، وطاقتها الكلامية والخطابية مجرد استرسال في دفقات لا شعورية، فيه تكثيف للمادة المنطوقة المبنية على التقسيم والدم والخراب، بعدها البصري بعيد، لكن به غبش يقود للعمى، ويفضي لانكسار الحال والواقع، لتصل الأمور إلى أقصاها، حيث البكاء والحسرة، وموت التأويل والحلم والمبتغى، أعمالها التخريبية والانتقامية ترجمة لشعورها الانفعالي الذي يغلب عليه طابع اليأس، فاستدارتها في كل صوب، يكشف حالها الفظيع في الخديعة والوهم، ونزف الدم على عتبات البلدان العربية التي أرادته، دليلاً واضحاً وقوياً على هذه الفظاعة المشينة، والجراح التي أحدثتها في الجسم العربي، والدمع النازف من المقل، تعبيراً عن واقعها الدميم، حاضرها كئيب، وماضيها ملوث، لذا فأعمالها العبثية الحاصلة الآن مقدمات لخيبة قوية ستحدث لها، فلا هي رمز للخصوبة، ولا هي مثال للانبعاث، وكأني أراها تبكي على فناء الجمال، واندثار الحياة، ستبكي في الأرض، وتولول في الفضاء، تصفعها خطاها المخذولة البلهاء، ستبكي وحدها، وستستأجر نائحاتباكيات لتشاركها الولولة والبكاء، إنها ضريبة التمدد العبثي، والمشاكسة البلهاء، وشيطنة الغدر، والربض على هسيس الفواجع، وتناسل الخراب، فالعواصم العربية صيرتها دماء، ورقصت جنرالاتها على أديمها اليعربي، واستباحت بأجرام لا متناهي سمواتها المحرمة، وغزتها حتى جعلتها متعبة، لقد بنت أعمالها على الفوضى، فوضى الإنسان، وفوضى الأشياء، وفوضى الفاجعة، بعدها غير عقلاني، وبصرها قائم على احتمالات الرماد الآتي، انخرطت في النزوع نحو التموج، القائم بين المد والجزر، ومدلوله هيمنة، إنها إيران التي تطل على الفناء وتعانقه، بركان ينبئ عن انفجار في وسط الأرض ينتج صخباً وضجيجاً ودماء، تسير من غير هدى، وتريد أن تبتلع البلدان والمواسم، أن تحشد للفوضى بكل معاني الانكسار والهزيمة الموصول بالعبث ونيران الحرائق، مشهد إيران وهي تملأ الدنيا ضجيجاً وخداعاً وغشاً وزيفاً ونفاقاً سياسياً وفتناً وتغذية لصراعات أيديولوجية ينبئ بتأويل معاكس، ستنتحر على عتباته يوماً ما، ستتشح بالسواد، وستستحضر تفاصيل الهزيمة بكل ألوانها، هي أمام كارثة وتبخر، وسيعلو ندبها وفقدها وشجنها وقنوطها، ستحاصرها هذه الأشياء كلها، وسيكون بكاؤها إخصاباً عاصفاً بفعل العبث الذي أرادته، ستعصف بمعقولية الأشياء، وأن الأشباح لا تصفق سوى للأشباح، وأن الغربان رمز للشرور، والضباع صور للفجيعة، وأن الشمس من صلب النهار، وأن لهيب الفتنة، وشرار الشعوبية، ستنتهي إذا ما مات موقدها.
مشاركة :