قال القلم: أرى الناس يتكلمون ويكتبون، في رمضان، عن القضايا الاجتماعية التي تحتاج إلى قرارات سياسية عصرية، مثلما كان القدامى يطرحونها على مرّ القرون الخالية، فما هي إذاً مبرّرات تغيّر الأعصار، وتطوّر الأمصار، إذا لم تتجدّد الأفكار وتتفتّح الأنظار؟ قلت: نحن أمّة تعشق الأصالة وتتشبّث بها، وتريد عند الاستيقاظ أن ترى الجبال راسية حيث تركتها. وهذا لا يعني أن القوم، لا قدّر الله، تنطبق عليهم: إنّا وجدنا آباءنا على أمّة، وإنّا على آثارهم مقتدون. أنت تعرف الأمّة، الذين ينادون بالتنوير والاستنارة، ويدعون إلى تجديد الفكر الدينيّ، يحتاجون إلى شراب عرق السوس لتخفيف حدّة البحّة، بينما قطار آلة الزمن يطير إلى سالف العصر والأوان. لكن، إلى أين تتجه بك دابّتك العاثرة؟ قال: في كل شهر فضيل يكثر الحديث عن المساكين وأبناء السبيل. وهذا مبحث يثير قضيّة مهجورة، وهي أن التعاليم صالحة لكل زمان ومكان، أمّا طرائق التعامل معها والامتثال لها فمسألة مختلفة تماماً. اليوم للدول المتقدمة وزارات ومؤسسات مسؤولة عن التربية والتعليم والضمان الاجتماعيّ والحدّ من البطالة، وعلاج مشكلات التشرّد، إلى أن يصل الأمر في أرذل العمر إلى دُور العجزة. كيف تقبل دولة تحترم نفسها، أن يكون لديها أطفال شوارع؟ ما معنى أبناء السبيل اليوم؟ ما معنى المساكين؟ الحكومات الرشيدة لا تعوّل على المبادرات الخيّرة من الأفراد، وإنما تدخلها في سلسلة واجباتها وتنظمها وتمأسسها، ولكنها لا تتقاعس إلى حدّ ظهور أطفال الشوارع، وتظل تنتظر فيوض الخير من أهل الجود. قلت: لا تطلب المثالية، فأنت ترى كيف أن أنظمة طبائع الاستبداد، عاثت في البلدان العربية الفساد، وعندما ذهبت مع الريح كانت الكارثة أسوأ، صارت الشعوب برمّتها مساكين وأبناء سبيل، وكانت ينهبها الداخل والخارج، وهي على بحار من النفط. المسألة سهل إدراكها في قضية المساكين وأبناء السبيل. سأعطيك المثال، لتتضح الحال، وعليك النسج على المنوال، لتعرف أين وظيفة الدول، وأين أعمال المجتمع الخيّر: واجب الدول هو ألاّ تترك المجتمعات فريسة للمسكنة والتشرّد وتفريخ الانحرافات والجرائم. أمّا الخيّرون القادرون فواجبهم هو أن يساعدوا المجتمع على التوازن بالقضاء على الفوارق الطبقيّة الفادحة. لأن خلل الأمن الاجتماعيّ يولد في النفوس. لزوم ما يلزم: النتيجة الأمنية: المساكين وأبناء السبيل قضيّة سياسية وأمنيّة مهملة، فعند نقطة معينة يفاجأ المجتمع بظهور: السكاكين وقطّاع السبيل. عبد اللطيف الزبيدي abuzzabaed@gmail.com
مشاركة :