أعاد الإعلامي داوود الشريان دم البرامج الحوارية النقي إلى شريان المستمع المتلهف إلى لحظة تلفزيونية صافية، عفوية وتلقائية خارج سلطة الزعيق والمبالغة والافتعال، وهذه السلطة التلفزيونية كثيراً ما نعانيها في غالبية فضائيات الاستهلاك الثقافي السريع. داوود الشريان في برنامجه الحواري (الشريان) نموذج للمحاور القارئ أولاً وأخيراً.. قارئ دقيق لتاريخ وتراث وماضي ضيفه، وإلى جانب ذلك اللباقة والخلق والاحترام. ثم إدارة تداعيات الحوار بذكاء بحيث لا تذوب التفاصيل الإنسانية التي يذكرها الضيف في رغوة الكلام. تشعر في هذا البرنامج الذي استقطب الصغير والكبير، بل هو في جوانب منه (برنامج عائلة) أن الشريان صديق لضيفه، وأنه يعرفه منذ سنوات طوال، مع أن هذه المعرفة قد لا تتجاوز قراءة هذا الإعلامي الحاذق لأرشيف الضيف فقط، ومع ذلك، تشعر كمستمع أن الشريان يتوجه إليك أنت أيها المشاهد الذي لم يعد بوسعك أن تكون محايداً، ولن تكون محايداً لأن ضيوف البرنامج هم صنّاع ذاكرة ثقافية عامة كل مشاهد هو جزء منها.. محمد عبده ليس ضيف الشريان فقط، بل يسكن في قلوب ملايين العرب، وسميرة توفيق في القلب نفسه، وهكذا جميع من قابلهم الشريان. يبدأ الشريان أولاً من البيئة العائلية الأولى لضيفه.. وبأسلوب (ناعم) يحاول استدراج الضيف للحكي عن الأب والأم، فمن هناك.. من ذلك الجذر الأمومي الأبوي تبدأ موهبة كل مبدع حقيقي. البرنامج - حوارية على شكل سردية ثنائية ينجم عنها الكثير من المعلومات والقصص والحكايات والمواقف الإنسانية وتشكل هذه الحوارية أو يشكل مجموع هذه الحوارات على مدى شهر رمضان (٣٠ حلقة) جزءاً من تاريخ الدراما والمسرح والسينما والموسيقى والغناء في الوطن العربي وليس في منطقة الخليج العربي فقط، وذلك وفقاً للتنوع العربي الملحوظ للشخصيات التي يستضيفها البرنامج. كشف البرنامج عن أمرين أراهما مهمين أو لافتين على المستوى الثقافي، الأمر الأول أن الكثير بل ربما كل التلفزيونات العربية فقيرة في الأرشيف أو في أرشفة الأعمال الدرامية والسهرات والتمثيليات التي ظهرت في خمسينات وستينات وحتى سبعينات القرن الماضي، والأمر الثاني أن الكثير من الفنانين العرب كانوا يشدّون الرحال، إما إلى مصر أو إلى الكويت للالتحاق بالدراسة في معاهد الفنون المسرحية في هذين البلدين اللذين لهما السبق الأكاديمي في هذا المجال. يرى داوود الشريان من خلال بعض الحلقات أن الثقافة هي (قوة ناعمة) ويستخدم هذا المصطلح أو هذا الوصف في محاورته لبعض الضيوف وبخاصة الكويتيون منهم، والثقافة هي بالفعل قوة ناعمة، وأيضاً قوة إيجابية مستقبلية إذا عرفنا كيف نديرها وكيف نوجهها في قنوات شعبية واسعة الانتشار مثل التلفزيون، ولكن عليك أن تعرف جيداً كيف تختار الإعلامي الذي يضخ الدم الثقافي النقي في الشريان العربي العام. yosflooz@gmail.com
مشاركة :