أبرزت المحادثات السعودية - الفرنسية التي استضافتها خلال اليومين الماضيين، ضمن الزيارة الرسمية التقى للأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع السعودي، «توافقا واسعا» في وجهات النظر بين الرياض وباريس بشأن العلاقات الثنائية وتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، أو بصدد جهودهما في الحد من النزاعات والبؤر المتوترة في منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي. وفي المؤتمر الصحافي المشترك الذي عقده وزير الخارجية الفرنسي جان مارك أيرولت ونظيره السعودي عادل الجبير، قبيل ظهر أمس، الذي عقب جلسة محادثات بين الجانبين في مقر الوزارة، أبرز الطرفان حرصهم على التركيز على إبراز التقارب بينهما. وفيما وصف أيرولت اللقاء بأنه كان «مهما ومفيدا» وأبرز «عمق العلاقات» بين البلدين و«التوافق الواسع» على مقاربة أزمات الشرق الأوسط والعالم العربي، أكد الوزير الجبير عمق العلاقات السعودية - الفرنسية وتطابق وجهات النظر بين الجانبين فيما يتعلق بقضايا منطقة الشرق الأوسط، واعتبر أن المحادثات كانت «بناءة وإيجابية»، والأهم من ذلك أنه عبر عن «تطلع السعودية لمزيد من العمل المشترك مع فرنسا في المجالات كافة». وهذه الرغبة تستجيب لما سبق للوزير الفرنسي أن أشار إليه، وهو أن بلاده «تريد الجمع» بين جهودها وجهود السعودية. وتحتل الأزمة السورية مكانا بارزا في مقاربة الطرفين اللذين يرغبان كلاهما في التوصل إلى حل سياسي يبدو اليوم معطلا بحسب أيرولت، كما أن الرياض وباريس تعتبران من أبرز داعمي المعارضة السورية المعتدلة، ومن الذين يرون أن «ميوعة» الموقف الأميركي تشجع روسيا وإيران على التشدد والنظام على الامتناع عن السير حقيقة في الحل السياسي. واليوم، يستقبل الوزير الفرنسي نظيره الروسي سيرجي لافروف، وقال أيرولت ردا على سؤال لـ«الشرق الأوسط» أمس إنه سيجري «جولة أفق» مع لافروف لكن الأساسي سيكون حول الملف السوري. وبحسب الوزير الفرنسي، فإن بلاده ستقوم بالضغط على الوزير الروسي؛ لأن موسكو «تمسك بيديها جزءا من الحل في سوريا»، وبالتالي فإنها تتحمل مسؤولية ما يقوم به النظام من قصف جوي بما في ذلك العمليات التي تستهدف المعارضة المعتدلة المنخرطة في العملية السياسية ومحادثات جنيف المتوقفة. ولذا فإن أيرولت سيحث الوزير لافروف على الدفع باتجاه إعادة العمل بوقف النار الذي هو «شرط أساسي ومركزي لا بد منه» من أجل العودة للمفاوضات والسير في الحل السياسي. من جانبه، أكد عادل الجبير تمسك الرياض بالحل السياسي في سوريا، وقال: «هناك حلان في سوريا لا ثالث لهما، وهما حل سياسي أو عسكري، وكلاهما يؤديان إلى إبعاد بشار الأسد الذي قتل 400 ألف من الأبرياء وشرد 12 مليونا ودمر البلد، فلا مكان له في هذا البلد، وموقف المملكة ثابت وداعم للأشقاء في سوريا ويهدف إلى إيجاد مستقبل جديد لسوريا يحافظ على وحدة أراضيها ويعطي جميع فئات المجتمع حقوقها». تقول مصادر رسمية فرنسية معنية بالملف السوري تحدثت إليها «الشرق الأوسط» أول من أمس إنها «لمست مؤخرا استعدادا روسيا للاستماع لطرح مختلف عن الطرح الروسي» وللحجج التي تساق في هذا السبيل، التي تدفع موسكو إلى التخلي عن مبدأ تمسكها بالرئيس الأسد والنظام الحالي. وأهم هذه الحجج التي سيعود إليها الوزير أيرولت اليوم هي أن روسيا بموقفها وبتمسكها بالأسد «تغذي الإرهاب، بينما هي تقول إنها تحاربه»، وأنها بصدد «الانغماس في حرب طويلة تساهم السياسة التي تتبعها في إدامتها»؛ إذ إنها «تقوي الأسد وتدفعه بالتالي إلى السعي لإحباط المفاوضات ولحسم الحرب عسكريا». وتضيف المصادر الفرنسية أن روسيا «ترهن وضعها ومصالحها بنظام تعرف سلفا أنه يكلفها الكثير ماليا وعسكريا وسياسيا ولا يمكن أن يدوم». يضاف إلى ذلك كله أن روسيا «تغامر بمصالحها» في العالم العربي. إزاء هذه الحجج والمعطيات، يتمحور الرد الروسي وفق المصادر الفرنسية حول ثلاث نقاط: أولوية محاربة الإرهاب والخوف من عدواه، وتأكيد رغبة موسكو في حل سياسي والتشكيك في مدى صلابة الدولة السورية إذا زال نظام الأسد، وهو ما ترى فيه موسكو «البوابة التي ستأتي بـ(داعش) و(النصرة) أو أحدهما إلى دمشق». واللافت أن مسؤولا روسيا رد على مبعوث فرنسي بالقول إن «السياسة الفرنسية لم تعد مفهومة، ولا أحد يستوعب تخلي فرنسا عن مسيحيي المشرق». أما في الملف اللبناني، فإن باريس والرياض لم تنفكا عن إعادة تأكيد تمسكهما بملء الفراغ المؤسساتي المتواصل منذ أكثر من عامين والتوصل إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية. ومن المنتظر أن يقوم الوزير أيرولت يومي 11 و12 يوليو (تموز) بزيارة إلى لبنان للقاء «جميع الأطراف» لاستكشاف ما يمكن القيام به لتحقيق هذا الغرض. وقال أمس إن باريس تريد أن تكون «مفيدة» في البحث عن مخرج وليكون للبنانيين رئيس. وكان أيرولت التقى الأسبوع الماضي وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف، ورأى أن يسعى كلاهما، عقب عودته من بيروت، إلى «تقديم مقترحات» لوضع حد للحالة الشاذة في لبنان. بيد أن مصادر فرنسية اطلعت ما جرى مع ظريف قالت لـ«الشرق الأوسط» إن الوزير الإيراني «لم يبد أي انفتاح» بشأن الملف اللبناني، وبقي عند تأكيده أن المخرج بيد اللبنانيين، وهو يرفضه الوزير الجبير الذي حمل طهران مسؤولية الفراغ الرئاسي. وقال الجبير: «في لبنان هناك فراغ سياسي وسببه (حزب الله) وبدعم من إيران، فكلاهما يرفضان أن يكون هناك توافق على إيجاد أو اختيار رئيس للجمهورية في لبنان، فاللوم ينصب على (حزب الله)، فهي الجهة المعطلة لهذا الموضوع التي لا تهدف إلى مصلحة لبنان، ولكن تسعى إلى مصلحة إيران». على صعيد أوسع وفي السياق عينه، اتهم الجبير طهران بتشكيل ميليشيات طائفية في المنطقة «من أجل زعزعة الأمن والاستقرار فيها»، مشيرا إلى أن الموضوع «أثير» في المحادثات التي جرت خلال يومين مع المسؤولين الفرنسيين، وخير الجبير إيران بين أن تكون دولة وبالتالي عليها أن «تحترم المبادئ التي ينص عليها القانون الدولي، ومنها مبدأ حسن الجوار والامتناع عن التدخل في شؤون الآخرين»، وإما أن تكون ثورة «وعندها سيصعب التعامل معها»، وقال: «إن العالم أجمع على اطلاع بالدور السلبي الذي تلعبه إيران في المنطقة، وأنها داعمة للإرهاب وأسست ميليشيات طائفية من أجل زعزعة الأمن والاستقرار في الدول العربية، والعالم يعلم أن لدى إيران قوات في سوريا والعراق تشارك في قتال طائفي وتهرب المتفجرات إلى دول الخليج العربي والأسلحة إلى اليمن، فإذا أرادت إيران أن يكون لها علاقات طبيعية مع دول المنطقة فيجب أن تحترم مبدأ حسن الجوار وعدم التدخل في شؤون الآخرين وعدم تصدير الثورة»، وتساءل «كيف يمكن أن تطلب إيران علاقات طبيعية مع جيرانها إذا كانت تدعم الإرهاب وتثير الفتن الطائفية وتهرب السلاح؟!». أما في ملف اليمني الذي تم بحثه بالتفصيل يومي أمس وأول من أمس، فقد قالت المصادر الفرنسية لـ«الشرق الأوسط» إن الطرف السعودي عبر عن «تفاؤله بإحداث اختراق سياسي مهم» في الملف المذكور خلال الأسابيع القليلة القادمة عبر المفاوضات السياسية التي يجريها المبعوث الدولي إسماعيل ولد الشيخ في الكويت. وكان لافتا أمس تركيز باريس على التنويه بالدعم السعودي لمبادرة السلام الفرنسية التي تسعى إلى توفير ظروف معاودة مفاوضات السلام. وكانت باريس دعت إلى اجتماع وزاري موسع بداية الشهر الماضي. وكشف الوزير الفرنسي أن «مجموعات العمل» الخاصة ببلورة مقترحات عملية «ضمانات للسلام، محفزات اقتصادية، الأمن الإقليمي ...» ستبدأ العمل بعد نهاية شهر رمضان وأن اجتماعا وزاريا سيحصل في نيويورك على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة لتقويم ما حصل والنظر في التتمات. وتسعى باريس إلى تنظيم «قمة» للسلام قبل نهاية العام بحضور إسرائيل والسلطة الفلسطينية.
مشاركة :