لم يدر بخلد محللي الأسواق البريطانية، أن نتائج الاستفتاء بشأن عضويتها في الاتحاد الأوروبي ستنتهي فعلاً بخسارة أنصار البقاء بنسبة 48% لصالح أنصار الخروج الذين حققوا انتصاراً مفاجئاً بنسبة 52%. لذلك لم تكن الأسواق مهيأة لمواجهة تلك النتيجة ما أدى إلى تجسيم التقلبات ووتيرة الهبوط في تحركات الأسهم. وقد ظهرت العديد من المخاطر على الفور، إذ تراجعت الأسهم وارتفعت أسعار السندات وتراجعت أسعار الفائدة (بما فيها أسعار الفائدة البريطانية). كما تأثرت أيضاً العملات حسب حجم تأثر اقتصاداتها بخروج بريطانيا، وكان الجنيه الاسترليني أكثرها تأثراً. بينما استفاد كل من الدولار الأميركي والين الياباني والذهب من الإقبال الكثيف على الجودة. وقد جاءت تحركات الأسواق هذه بصورة متماشية مع التصورات التحليلية الواضحة، والتي تشير إلى أن الاقتصادات الأوروبية ستواجه أكبر الضغوطات مقارنة بالاقتصاد الأميركي وبقية أنحاء العالم التي لن تكون لها ردود أفعال واضحة. وقد تراجعت الأسهم الأمريكية في يوم الجمعة من الأسبوع الماضي بواقع 3.5% والأسهم الأوروبية بنحو أكثر من 8% والأسهم البريطانية بنحو 3% وشهد الأسبوع المزيد من الضغوطات ولكن بوتيرة معتدلة. كما خفضت وكالة ستاندرد أن بورز تصنيف الاقتصاد البريطاني إلى AA من AAA. وقد تراجعت جميع الأسهم الخليجية في أولى تداولاتها بعد نتيجة التصويت. فقد سجلت كل من بورصة البحرين وعمان التراجع الأقل بنحو 1%. بينما تراجع سوق الكويت للأوراق المالية بواقع 1.1% وتراجعت بورصة قطر بواقع 1.2%. أما السوق السعودية وسوق أبوظبي فقد سجلا تراجعاً بواقع 1.9% خلال اليوم. بينما تكبدت سوق دبي أكبر الخسائر، إذ تراجع مؤشرها بواقع 3.3%. إذ يعد مؤشر دبي أكثر مؤشرات المنطقة عرضة للتأثر بتطورات الأسواق العالمية نظراً لامتلاكه قاعدة كبيرة من المستثمرين الأجانب. وقد استعادت الأسواق نشاطها المعتاد خلال هذا الأسبوع. اتفاقيات ثنائية مع بريطانيا وفيما يخص اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي فإننا لا نتوقع أي ردود أفعال كبيرة وملحوظة مماثلة للتقلبات التي تشهدها الأسواق العالمية. كما أن تراجع نمو الاقتصاد العالمي سيؤثر حتماً في وتيرة أسعار النفط ومستوياتها التي من المفترض أن تبدأ بالتحسّن. ومن المحتمل أن يتسبب التراجع الطفيف في نمو الاقتصاد العالمي وسيتراجع مجلس الاحتياط الفيدرالي قليلاً عن نيته في رفع أسعار الفائدة لأكثر من مرة خلال هذا العام والأمر كذلك أيضاً للبنوك المركزية الخليجية. وكما ذكرنا في تقريرنا السابق عن الاستفتاء البريطاني ستتمكن دول مجلس التعاون الخليجي وبعض الاقتصادات العالمية من التفاوض لاحقاً بعد خروج بريطانيا فعلياً من الاتحاد لإبرام اتفاقيات تجارية ثنائية مع بريطانيا. إلا أن ما يجهله المحللون في هذه المرحلة هو مدى تفاقم واستمرارية التأثيرات التي سيخلفها خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. حيث تشير بعض الأرقام التي تم تداولها والتي لا نعتبرها دقيقة إلى تراجع محتمل في نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي بواقع 25 نقطة أساس خلال العامين القادمين بينما قد يتراجع نمو الناتج المحلي الإجمالي لبريطانيا بنحو 1% إلى 1.5% إضافة إلى توقعات بتسجيل ركود اقتصادي على المدى القريب. وستحدد التطورات السياسية المصير الاقتصادي المجهول بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. في الوقت نفسه، أبدت جميع البنوك المركزية استعدادها التام لتوفير السيولة ودعم الأسواق المالية إذا ما استدعت الحاجة. وتسود المشهد السياسي والاقتصادي حالياً العديد من التساؤلات عن ماهية سير المفاوضات بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي: هل ستكون المفاوضات سلسة أم سيتخذ الاتحاد موقفاً صارماً ليجعل من بريطانيا مثالاً للدول الأعضاء الأخرى؟ متى سيتم تفعيل المادة 50 من معاهدة لشبونة؟ (الجدير بالذكر أن تفعيلها في يد بريطانيا فقط وليس للاتحاد القدرة على تفعيلها).
مشاركة :